"الفنانون الجيدون ينسخون، والفنانون العظماء يسرقون" كان ذلك ما قاله بابلو بيكاسو. وهذا ما ينطبق تمامًا على شركات التقنية التي يشار لها بالبنان، فمجموعة من أبرز المنتجات التي أحدثت ثورة هائلة، لها جذور سابقة تعود لمبتكرين ومخترعين أوائل. وهناك العديد من المنتجات التقنية التي اعتمدت بالأساس على أفكار مسروقة. في عام 1407 ه ؛ أي قبل حوالي 30 سنة، كان لي في إذاعة الرياض مشاركة في برنامج إسمه "وجهة نظر" ، كان يعده الأستاذ عدنان الدبسي -يرحمه الله حيا أو ميتا- وكان البرنامج يقدم يوميا وهدفه استقطاب العائدين حملة الشهادات العليا. كنت أطرح فيه كل يوم فكرة جديدة غير مسبوقة من الأفكار التي تخدم المجتمع، وأذكر من ذلك على سبيل المثال: فكرة الممرات الخاصة في المساجد والمدارس والمستشفيات وعموم المباني لعبور عربات المعاقين، فكرة عقوبة السجن البديل، فكرة ترقيم الشقق في العمائر ووضع صناديق بريد للسكان، فكرة وضع سوار بلون علم كل بلد لتحديد هوية الحجاج وسهولة توصيلهم لذويهم حال ضياعهم في موسم الحج، كما كنت أيضا أكتب في جريدة الرياض في زاوية "أفكار تقنية" العديد من الأفكار التقنية غير المسبوقة –آنذاك- وأذكر منها على سبيل المثال: فكرة نظارة تقرب وتبعد وتتغير دراجاتها دون تغيير العدسات، فكرة ملابس تبرد كلما تعرضت لحرارة الشمس، فكرة جهاز ريموت - يشبه ريموت السيارات اليوم- يمكن فاقد البصر بنغمة الصوت من تحديد مكان أغراضه، فكرة قلم ليلي يضيء عند الكتابة في الأماكن المظلمة، فكرة عصا حساسة تنبه الأعمى على ما قد يعترض طريقه، وغيرها من الأفكار التي نراها اليوم مخترعات في السوق. والأعجب من ذلك أنه حينها كانت تعليقات بعض القراء والمستمعين لا تخلو من الضحك والاستغراب على ما يطرح في تلك الزاوية ويقدم في ذاك البرنامج. القصد من هذا الكلام، أننا أمة تفكر وتبدع، ولكنها لا تنفذ لعدم وجود جامعات ومؤسسات تهتم بالأفكار الإبداعية، كما تهتم المؤسسات في الدول الصناعية، وأننا لكي نصبح دولة صناعية، كما حددت لنا الرؤية الوطنية 2030، يحب علينا أن نكثر من تأسيس الأندية التقنية التي تدعم وتساعد المفكرين والمبدعين على تطوير أفكارهم وتحويلها من مجرد أفكار إلى منتجات صناعية. ولتحقيق ذلك أرى أنه يلزمنا أن نعيد النظر في تنظيم المؤسسة التي يعول عليها لتحقيق مثل هذه الآمال والتطلعات "المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني" ، والبداية -في رأيي- تكمن في فصل منظومة التعليم التقني التطبيقي في (كليات ومعاهد التقنية) عن منظومة التدريب المهني في (مراكز التدريب المهني) وضم الكليات والمعاهد التقنية للتعليم العالي لتخريج علماء ورواد في التقنية، وتتفرغ المؤسسة لمنظومة التدريب في مراكز التدريب المهنية، والتوسع فيها لتأهيل أيدي عاملة فنية تحل محل العمالة الوافدة؛ وهو الهدف الأساس من إنشائها، وإلا سنظل نفكر وغيرنا هو الذي ينتج ! بقلم د. هلال محمد العسكر