وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلمة لحجاج بيت الله الحرام لموسم هذا العام 1432ه فيما يلي نصها : بسم الله الرَّحمن الرَّحيم .. الحمدُ للهِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتَابِهِ: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ). [الحجّ: 27]. والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ الأنبياءِ والمرسلينَ، مَنْ بَعَثَهُ الله رحمةً للعالمين، نبيِّنا محمَّدٍ القائلِ (الحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنَّة). أيّها الإخوة والأخوات حجّاج بيت الله الحرام أيّها الإخوة والأخوات أبناء أمّتنا الإسلاميّة في كلّ مكان السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته مِنْ أرضِ الرِّسالةِ ومهَبِطِ الوَحْيِ أُهنِّئكم وأهنِّئُ جميعَ المسلمين، في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، بِعِيدِ الأضحَى المبارَكِ، داعيًا اللهَ - تبارك وتعالَى - أن يَقْبَلَ حَجَّ مَنْ قصد بيته الحرام، وأن يغفر الذُّنوب جميعًا، وأَسْأَلُهُ سُبْحانَه أن يُديمَ عليهم نِعَمه الظَّاهرةَ والباطنةَ، وأن يَسْتجيب لهم، وأن يَجْعل زادهم التَّقوَى. أيّها الإخوة والأخوات إنَّ هذه الجُمُوعَ الغفيرةَ مِمَّنْ أَمُّوا البيتَ الحرامَ، وجَابُوا المشاعرَ المقدَّسةَ إتمامًا للرُّكن الخامس مِنْ أركان الإسلام، لَتَبْعَثُ في النَّفس ألوانًا مِنَ التَّأَمُّل، فالحجُّ مَنْبَعٌ ثَرِيٌّ لِمَعَانٍ عظيمةٍ في التّنوُّعِ والتَّسامُحِ والتَّحاوُرِ، وفيه تتجلَّى أسمَى صُوَر الأُمَّة الواحدة، التي اجتمعتْ على هدفٍ واحدٍ، وغايةٍ واحدةٍ، استجابةً لداعي الله، وإخلاصَ العبادة له، سبحانه، في نِدَاء حُلْوٍ عَذْبٍ تُردِّده الشِّفَاه، وتَخْفُقُ به القلوب: لَبَّيْكَ اللهمّ لَبَّيْك لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْك إنَّ الحمدَ والنِّعْمةَ لَكَ والمُلْكَ لا شَرِيكَ لك أيّها الإخوة والأخوات إنَّ الحجّ يَمْنَحُنا صُوَرًا لا يَحُدّها حَدّ، وطبقاتٍ مِنَ المعاني الدَّفَّاقة، وأَسْمَى هذه المعاني وأَعْظَمُ تلك الصُّوَر، أنَّ الحاجّ ما خرج مِنْ بيته، وما ارتقَى صَعْبًا، ولا نزل سَهْلاً إلا استجابة لنداء التَّوحيد، وأنَّه إذْ يَضْرِب في مناكب الأرض، ويتغرَّب عن الأهل والوطن، إنَّما يَنْشُد معاهدة الله - تبارك وتعالَى - على ذلك، وترى الحاجَّ لا يَصْرفُهُ عنْ غايته هذه صارفٌ مهما يَكُنْ، ولا يَمْنعه عنها مانع، إنَّه ترك كلَّ شِيْء لأجْل بلوغه هذه الأماكن الطَّيِّبة، إلى حيث البيت العتيق، والمشاعر المقدَّسة، وكان لِزَامًا عليه أن يُعْطِيَ كلّ شيْء لله، وأنْ يَصْبر، وأن يَعْفُوَ، وأنْ يَجْعل لسانه شاكرًا، وفؤاده ذاكرًا، وأن يَعَفّ، فلا رفث ولا فُسُوق ولا جِدال في الحجّ، وأنْ يعود إلى أهله ووطنه، بعد أنْ أدَّى نُسُكه، كيوم ولدتْه أمُّه، إنسانًا جديدًا، أنعم الله عليه بأعظم مَسِيرةٍ في حياته، أن يقصدَ بيتَ اللهِ الحرامَ، وأن يغتسل مِنْ ذنوبه وخطاياه، فما أعظمَها مِنْ نِعْمَة، وما أبلَغَها مِنْ رحلة! أيّها الإخوة والأخوات ما مرَّ مَوْسِمُ حَجٍّ إلا وَتَعَلَّمْتُ مِنْ هؤلاءِ الحُجَّاجِ دُرُوسًا بَليغةً. أتأمَّلُهُمْ في غُدُوِّهِمْ وَرَوَاحِهِمْ، وَأَتَدَبَّرُهُمْ في مَسْعَاهُم وَمَمَشَاهُمْ، فَأَخْرُجُ بِطَاقَةٍ غريبةٍ أستمدُّها مِنْ هذه الجُمُوعِ الغفيرةِ، أراهُمْ، وحِين أراهُمْ، أَتَمَلَّى الرِّضَا والبشاشةَ في وجوههم، يَمْضُون لغايتهم التي جاءوا مِنْ أجلها فَرِحِين مُسْتَبْشِرين، يَعْلُوهُم الوقارُ، وتَحُفّ بهم السَّكينةُ، يَمْتَحُون مِنْ هذه الأرض الطَّيِّبة أضواء الأمن والطُّمَأنينة والسَّكينة، يعطف الكبير على الصَّغير، ويحنُو القويّ على الضَّعيف، ويجود الغنيّ على الفقير، في مَشْهدٍ إنسانيّ خالِص، لا نشهده إلا في هذه البقاع الطَّاهرة، هذه الأرض التي منحتِ العالَم صُوَرَ السَّماحة والعطْف وَجَلَتْ لهم قِيمة الأمن وطَعْم الطّمأنينة. أيّها الإخوة والأخوات إنَّ هذه الأرض الطَّيِّبة، وما تَشْهده مِنْ إقبال الحاجّ والمعتمر إليها، إنَّما تَنْعَم - بفضل الله تبارك وتعالَى - بنعمة الأمن والاستقرار، استجابة لدعوة أبينا إبراهيم - عليه السَّلام - وذلك في قوله تعالَى: (( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ )) [إبراهيم: 35]، وقوله تعالَى: ?وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ? [البقرة: 126] فالأمن قِوَام الاجتماع، وأُسّ الحضارة والنَّمَاء. ومِنْ فضل الله - تبارك وتعالَى - أنْ شَرَّف المملكة العربيَّة السّعوديّة بخدمة حُجَّاج بيته الحرام، تَسْتَشْعِر في ذلك عِظَم الأمانة الملقاة على عاتقها، وتَعْمَل على ذلك، مُحْتَسِبَةً الأجرَ والمَثُوبَةَ من الله - سبحانه وتعالى، ماضين في ذلك، مستمِدِّين العون مِنَ الباري تعالَى، جاعلين خدمة الحاجّ وأمنه أعظم مسؤولياتنا. أيّها الإخوة والأخوات إنَّنا ندْعو الله - تبارك وتعالَى - أن يَحْفظ لأُمَّتنا الإسلاميَّة أمنها واستقرارها، وأن يأخُذ بأيدي أُولِي الأمر فيها لما فيه صلاحها ومعاشها، وأن يعملوا على بَثّ الأمن والاستقرار لمواطنيها، فبالأمن والاستقرار تنمو المجتمعات، ويزدهر الاقتصاد، ويَعُمّ الرَّخاء، وتتقدَّم الأُمَّة، ولْيَتَّخِذِ المسلمون، في كُلّ مجتمعاتهم، مِن الحجّ وسيلة للتَّعلُّم، فمِنْ غايات الحَجّ العُظْمَى الوحدةُ والتَّضامُنُ، وَنَبْذُ الفُرقةِ والتَّشاحُنِ، ولْيَسْتَحْضِرِ المسلمون قَوْلَ نبيِّنا محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حجّة الوداع: (( إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا )). فما أْحْرَى أنْ نعمل بهذه الوصِيَّة التي أوصانا بها نبيّ الهدَى والرَّحمة! وما أعظَمَ أن نعرف أنَّه ليس لنا إلا أنْ نَعْتَصِم بحبل الله المتين، وأن نَنْبُذَ الفُرْقةَ والشِّقاقَ، امتثالاً لقول الحقّ تبارك وتعالى: (( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )). [آل عمران: 103] أيّها الإخوة والأخوات اللهَ أسأل أن يجعل حجَّكم مبرورًا، وسعيكم مشكورًا، وذنبكم مغفورًا، وأن يُعِيدكم إلى أهليكم وأوطانكم سالمين غانمين، بعد أنْ أكرمكم الله - تبارك وتعالى - بحجّ بيته الحرام، والوقوف في هذه الأماكن العظيمة. وأُجَدِّد التَّهنئة بِعِيدِ الأضحَى المبارك، كما أسأله، سبحانه، أن يُعيده علينا وأمّتُنا في خير حال. 1