مع كل يوم جديد يرتفع شأن العلم ويتجدد نشاطه وترتفع أساليبه وطرق العطاء ، منها ما يبهرنا ومنها ما يستوقفنا ويعود بنا إلى أيام العمل الجاد والوسائل البدائية أو عدم وجود وسيلة أصلا سوى الكتاب واللوح . في يوم من الأيام حضرتُ لإحدى معلمات الصف الثالث الابتدائي تحفيظ مادة لغتي الجميلة وكانت المعلمة قد صبّت كل أفكارها وإبداعاتها وعصرت كل ثقافتها ، وضمّنت ذلك كله الاستراتيجيات الحديثة لإيصال المعلومات .فدخلتُ الفصل وأخذتُ مكاني في نهاية الفصل ، وبدأت المعلمة بإعطاء إشارة لبدء الدرس ، فانتقلت الطالبات لتمثيل الدور الذي هزّني وحرّك وجداني عن عصور خلت كان للعلم فيها شأناً عظيماً . وسألت إحدى التلميذات زميلاتها في المشهد ؛ وقد تقمّصن شخصيات العلماء الأوائل في لباسهن وطريقة جلوسهن ، أين أنا ؟ فردت التلميذة : أنت في مدينة العلم والعلماء .وكل طالبة عرفت بنفسها أنا العالم الفلاني ، وأنا العالم الفلاني ، واختتمت الأخيرة : أنا أبو بكر الرازي . وكان قد وضعت أمامها مجموعة من الدواريق والكتب العلمية ، فجال بخاطري ذلك الزمان وما قرأت وارسلت لأفكاري ومشاعري الغوص في تلك الأيام أيام عزنا وفخارنا واجتماع كلمتنا وكيف كانت تلك المدينة تعجّ بالعلم والعلماء والمؤلفين والباحثين المسلمين ، وكيف كانوا يتنافسون في مجالهم وصناعتهم ، وكيف كانت تعيش الأمة الإسلامية تحت قيادة واحدة من السّند شرقا إلى جبال البرانس غربا . وتتوالى الانتصارات يوما بعد آخر . وكيف ضاعت تلك الدولة الواحدة وأصبح العالم دويلات بعد أن طغى عليه الظلم من كل مكان وضعف المسلمين . تذكرت مدينة العلم والعلماء التي ترزح اليوم ومنذ سنوات تحت وطأة الظلم والجهل والجوع والتخلف والتناحر وكيف تتقاذفها يد الطغيان والجور ، وعُدت واسترجعت وحمدت الله أن جعلنا من أبناء وبنات هذا البلد المعطاء الذي أعزه الله بالإسلام والحكام الأوفياء مع ربهم ثم دينهم وشعبهم ومقدساتهم ، وأخذتني نشوة العز بعاصفة الحزم والعزم إلتي أعادت بعض ما سُلب منا تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين ملك الحزم والعزم والعدل والوفاء مع العدو قبل الصديق ، مع البعيد قبل القريب ف لله درّه من قائد استطاع وفي فترة وجيزة أن يعيد لهذه الأمة بعض مجدها بجمع كلمة المسلمين ورفع شأن الإسلام .والله أسأل أن يمدّ في عمره وأن يرفع قدره في الدارين . وعادت بي الذاكرة إلى أنشودة وطنية : بلادي بلادي بلادُ الحرم .. بلاد الوفاء وحفظ الذّمم حباك الإلٓه بشعبٍ أشم .. وبيتٍ عتيقٍ ودينٍ قويم بذلت بلادي عظيم الهبات .. بضمّ العُروبة بعد الشتات وسُقت الحياة لأرض موات .. وقام بنُوك بأمرٍ عظيم فقادوا الجزيرة تحت اللواء .. لواء الرسول بوحي السماء وكان الوئام وكان المضاء .. لعيش عزيزٍ وموتٍ كريم حكمت البلاد بحكم نبيل .. وسُست الشُّعوب برأي أصيل وكان دليلك نعم الدليل .. ضمير نزيه وذكرُ حكيم أبحت المعارف كلّ الأنام .. فساوى الحقيرُ سليل العظام وكانت حراماً بحكم الطّغام .. لغير القويّ وغير الظّلوم تساوى بنُوك وشعب العجم .. وشعبُ الزُّنُوج إذا ما احتكم ضمنت العدالة بين الأمم .. فعمّ السّلام وشاع النعيم أزلت الفوارق بين البشر .. وفُزت لعُمري بحسن السّير أعيدي بلادي زمان عُمر .. زمان التّسامي لمجرى النُّجوم بعزم السُّعُودي كريم النّجار .. مليك البلاد وتاج الفخار تنال النُّفُوس أمان كبار .. وتحبو الحياة بخير عميم قائدة ابتدائية وتحفيظ محلة ضمد