يسترجع مؤرخ قريتي الراكب والظبية بمحافظة صبيا موسى بن إسماعيل محمد العقيلي مظاهر استقبال شهر رمضان قبل أكثر 59 عاماً، قائلاً: «عندما يقدم علينا شهر رمضان لم يكن لدينا استعدادات كافية له مثل اليوم، وإذا حل الشهر الكريم أو قبل حلوله بأيام يكثر الطلب من الفقراء على الحليب، فيطلب الجار من جاره والصديق من صديقه شاة يرعاها ليشرب حليبها وأطفاله، بصفة العارية المرتجعة، كانت تسمى آنذاك (المناح)، حيث يمنحها المقتدر للفقير شهرا أو شهرين أو سنة، وسبب ذلك عجز وعدم مقدرة الفقير على شراء شاة لحلبها والانتفاع وعمل اللبن الرائب والقطيب لتكفيه في رمضان وغيره، وقد يعطي الجار جاره أكثر من شاة مناح وإذا جاء وقت الإفطار أخرج الصائمون صحافهم الخشبية السوداء المطلية بالقطران وملئها بالماء ومعها حبات التمر الأسود أو الأحمر أو اللبن فإذا شرب من صفحته تنسم منها رائحة المستكا عكس صحون اليوم». حفظ الطعام وعن كيفية حفظ الطعام آنذاك يقول المؤرخ العقيلي: «الناس في ذلك الوقت لم يكن لديهم ثلاجات لحفظ الأشربة والأطعمة، بل كانوا يستخدمون القرب والشنان، حيث تعلق في الظل وتعرض للهواء، كما يقومون بشراء القلال أو الجرار يبرد فيها الماء وقبل أذان المغرب بربع ساعة يتجمع الصبيان حول منازلهم لسماع الأذان، وكذلك يجتمع الرعيان على أطراف القرية ويرددون الآذان حتى ينتهي فرحا بانتهاء يوم من هذا الشهر الفضيل». قبل الإفطار وأضاف: «قبل الإفطار تجهز ربات البيوت وجبة الإفطار التي كانت تتكون من خمير الذرة أو الدخن ومغش اللحم الذي تفوح رائحته قبل أن تراه من تنوره من على مسافة بعيدة، وذلك لعدم اختلاط اللحوم بالشحوم مثل اليوم، ومن لم يجد لحما كان يستبدل ذلك باللبن الرائب أو القطيب أو السمن والسليط، ويتبادل الجيران الهدايا أثناء الفطور والسحور، ومن كان موسراً ذهب بفطوره إلى المسجد القريب ليفطر معه المسافر والغريب، وفي بعض الأيام يفطر الصائمون على الدجرة ومرقتها، ويضاف عليها الحلبة البلدي، وتخلط بالسليط، ومن كان يمتلك زبدة أو سمنا فيعتبر إفطاره شهياً، أما الفواكه فلم تكن طازجة مثل اليوم، بل كان الناس يتناولون الفواكه المعلبة كالخوخ والأناناس والمنقا التي تأتي من مصر؛ بسبب عدم وجود ثلاجات لحفظ الفواكه الطازجة». قهوة محلاة وأوضح العقيلي أنّ من عادات كبار السن غير المتعلمين آنذاك أنهم كانوا يمسكون عن الأكل والشرب وقت سماع المؤذن، ويمنعون صغارهم من الإفطار حتي ينتهي المؤذن ظنا منهم أن صيامهم غير مقبول لو أفطروا قبل إتمام المؤذن للأذان، وكان المؤذن بخبرته يعرف الغروب والبعض منهم كان يحمل ساعة سويسرية تسمى الصليب لا يلبسها في يده، وإنما يضعها في صدريته، ويخرجها لوقت الغروب العربي، فهي مؤقتة على العداد العربي وليس التوقيت الزوالي مثل اليوم، وبعد أن يفطر الصائمون يتوجهون للمسجد، وبعد فراغهم من الصلاة يقومون بزيارة بعض جيرانهم حيث يتم تناول القهوة المحلاة بالسكر، وبعدها يخلدون للراحة التي تمتد لساعتين، وينطلق كبار السن إذا سمعوا نداء العشاء مع التراويح، فيصلي الإمام مع المصلين صلاة التراويح قرابة نصف ساعة. السمر والسحور وحول ما يفعله الأهالي بعد التراويح، قال العقيلي: «بعد الانتهاء من التراويح يسمر الجار مع جاره والشباب مع بعضهم مدة ساعتين، بعدها يتهيأ الجميع للنوم عند منتصف الليل وكانت مساكنهم ومساجدهم من القش، وإذا جاء وقت السحور يوقظ الجيران بعضهم بعضاً، من خلال النداء البعيد عند الساعة الثانية ليلاً، فتقوم ربة المنزل بطحن حبوب الذرة أو الدخن ثم خبزه في التنور وإخراجه بعد ساعة من طحنه وخبزه، وتقوم بهرسه بالحلب والسمن مع السكر أو العسل، وعندما يتم الانتهاء من وجبة السحور ينطلق من كان قارئاً إلى مسجد القرية يقرأ القرآن حتى تقام الصلاة، وكانت المصاحف توضع في زنابيل وتعلق بداخل المساجد». حياة الصباح وأما حياة الأهالي صباحاً فكانت تبدأ بعد الفجر، حيث ينطلق الجميع نحو الحقول والمزارع ورعي الأغنام حتى وقت القيلولة، فيدخل الصائم في عشة أو عريشه أو شجرة باردة مبللا ثوبه بالماء ليطفئ حرارة الشمس، كادحين بحثاً عن لقمة العيش في زمن تقل فيه الموارد، لكن يحدوهم الأمل ويقودهم الإيمان بأنّ رزقهم سيكون من نصيبهم ولن يكون لغيرهم. أئمة ومؤذنو المساجد وتحدث العقيلي عن مؤذني المساجد في ذلك الزمن، قائلاً: «كانوا مؤتمنين أصواتهم حلوة تسمع من مكان بعيد أمثال الشيخ محمد يحي سلطان همامي الذي كان يسكن الظبية قبل أكثر من ثمانين عاما حيث عمل معلما للشباب والصبية وكان يتمتع بصوته الندي الجهوري الذي يسمع من قرية الحسيني وصلهبة من مسافة أربعة كيلومترات تقريبا ومثله إمام مسجد العقالية الشيخ عبدالله بن علي العقيلي تلميذ الشيخ محمد الهمامي -رحمهم الله-. استمرت التقاليد في الافطار والسحور حتى أيامنا كان السابقين يعيرون جيرانهم الإغنام في رمضان