تعتمد دول الخليج العربية تقودها السعودية على المال والقوة العسكرية في الوقت الحالي لقمع احتجاجات في المنطقة المصدرة للنفط ولكن من المستبعد ان تنجح في وقف الاضطرابات دون تقديم تنازلات سياسية هامة. وحتى الآن لم يبد حكام الخليج مؤشرا يذكر على استعدادهم آخذ خطوات نحو الديمقراطية تغير قواعد اللعبة ناهيك عن مشاركة مواطنيهم السلطات شبه المطلقة التي يتمتعون بها. وارسلت السعودية قوات للبحرين يوم الاثنين في اطار قوة خليجية تشمل قوات شرطة من الامارات للمساعدة في كبح اسابيع من الاحتجاجات للاغلبية الشيعية بصفة اساسية. ووصفت المعارضة البحرينية هذا التحرك بانه اعلان حرب. ويأتي هذا التحرك بعد ايام من تعهد دول الخليج بتقديم 20 مليار دولار لمساعدة البحرين وسلطنة عمان التي شهدت ايضا موجة من الاحتجاجات لمواطنيها للمطالبة بوظائف ومشاركة أكبر في الحكومة في السلطنة الهادئة عادة. وقال تيودور كاراسيك المحلل الامني في دبي "انها المرة الاولى التي تهدد فيها هذه الانتفاضة الشعبية ككل نظاما ملكيا بشكل فعلي ... اذا سقط نظام ملكي ستتعرض جميع الانظمة الملكية لذلك النوع من الضغط." وأضاف "هذا يبين ان السلطات لن تتحمل مثل هذا السلوك الذي شهدناه في البحرين." ولكن التحرك فيه مقامرة. فحتى اذا نجح المزج بين الاغراء بالجزرة والتلويح بالعصا في قمع الاحتجاجات في البحرين في الوقت الحالي فان الحكومات في منطقة الخليج مهددة بشكل أكبر مع اكتساب دعوات الديمقراطية في العالم العربي زخما. والى جانب البحرين وعمان فان ذلك ربما ينطبق ايضا على السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم واقوى دولة خليجية التي تخشى ان تشجع تنازلات تقدم للمتظاهرين في البحرين واغلبهم من الشيعة الاقلية الشيعية على اراضيها. ونظم الشيعة في السعودية بالفعل احتجاجات محدودة على مدار الاسابيع الثلاثة الماضية في شرق البلاد وهو مركز صناعة النفط في السعودية للمطالبة بالافراج عن معتقلين منذ فترة طويلة. وشهدت الكويت وبها ايضا اقلية شيعية كبيرة نسبيا احتجاجات. وتبدو الامارات وقطر وحدهما محصنتان حتى الان. وقال الناشط السعودي محمد القحطاني "سيكون من الصعب جدا الابقاء على الوضع القائم فيما ترى جارك يتغير" مضيفا انه لا يتوقع ان تتوقف الاحتجاجات رغم قرار السعودية وحلفائها رفع الرهان. وأضاف انهم سيدركون في لحظة ان عليهم تنفيذ تغييرات معينة بصفة اساسية. وتبدو دول الخليج مستعدة لتنفيذ بعض الاصلاحات ولكن ليس تلك التي من شأنها تغيير قواعد اللعبة السياسية بشكل كبير. واغلب هذه الدول بها اعداد متزايدة من الشبان المولعين بشبكة الانترنت وتتزايد مطالبهم من اجل التغيير جرأة يوما بعد يوم. ورغم ايرادات النفط والغاز الضخمة تحتاج دول الخليج لتوفير الاف الوظائف لمعالجة مشكلة البطالة. واعتادت الحكومات توظيف اعداد كبيرة من الاجانب وتجد صعوبة في توفير فرص عمل لمواطنيها. ويعتقد ان نحو 60 في المئة من سكان السعودية البالغ عددهم 18 مليون نسمة دون الثلاثين ويوجد في المملكة نحو ثمانية ملايين مقيم اجنبي. وتصل نسبة البطالة بين من هم في مرحلة الشباب 39 في المئة حسب تقديرات جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين بالبنك السعودي الفرنسي. وفي البحرين حيث تطالب القاعدة العريضة من المحتجين بملكية دستورية اقالت الحكومة عددا من الوزراء غير الرئيسيين وعرضت حوارا وطنيا ومزيدا من الوظائف. ولكنها لم تذعن لمطالب باقالة الحكومة باسرها أو رئيس الوزراء وهو من الاسرة الحاكمة ويتولى منصبه منذ 40 عاما. واجرى السلطان قابوس سلطان عمان أيضا بعض التغييرات وعزل وزراء ووافق على التنازل عن بعض السلطات التشريعية لمجلس منتخب جزئيا. وقابل المحتجون الخطوة بأمل وتشكك ولم يتضح حجم التغيير. وهناك توقعات بتعديل وزاري في السعودية يأتي ببعض الوجوه الاصغر سنا بينما وعد اعضاء البرلمان في الكويت بمناقشة منح مزيد من الحقوق للذين لا يحملون جنسية الكويت (البدون). ولكن ايا من هذه التحركات لن يجعل الحكومات أكثر ديمقراطية بشكل كبير او يهدد السلطات المطلقة للملوك والاسر الحاكمة. وتحاول دول الخليج -وجميعها حليفة لواشنطن التي تدعو للاصلاح في المنطقة- استغلال ثروة النفط لاسكات المعارضة من خلال مقايضة الرخاء النسبي بالسكينة السياسية وساهمت المقايضة في بقاء الحكومات مستقرة لعقود. وقال خالد المعينا رئيس تحرير صحيفة اراب نيوز السعودية اليومية مشيرا لمساعدات مجلس التعاون الخليجي المالية "اعتقد ان المال امر جيد لانه يخفف معاناة الناس. وهذه المرة يجب ان يجيء مع اشكال اخرى للاسترخاء." وفي الشهر الماضي عاد العاهل السعودي الملك عبد الله للرياض بعد غياب لاسباب صحية واعلن عن برنامج بقيمة 37 مليار دولار يمنح مزايا للمواطنين في محاولة على ما يبدو لكبح المعارضة. وعرضت دول اخرى مثل الامارات والكويت امتيازات مالية ولكن حرصت على عدم الربط بينها وبين اي احتجاجات معارضة في العالم العربي. ويشكو المواطنون العرب في الخليج من حرمان اقتصادي ويشكو الشيعة في البحرين من التمييز في منح الوظائف بينما يقول عمانيون ان الكثير من الوظائف تذهب للاجانب ويشكو السعوديون من ان تطوير البنية التحتية لا يتماشى مع ثروة البلاد الضخمة. وكتب المدون السعودي احمد العمران في مقال رأي في صحيفة ذا جارديان في الاونة الاخيرة "الفجوة العمرية الكبيرة بين طبقة الشباب والصفوة الحاكمة تجعل الاتصال بين الحكام والمحكومين والتفاهم بينهم شبه مستحيل. نحن نتحدث لغتين مختلفتين فعليا. "سئمنا الوضع القائم. نريد تغييرا ونريده الآن. المطالب واضحة وبسيطة .. ملكية دستورية وحكم القانون والعدالة والمساواة والحرية وانتخابات واحترام حقوق الانسان. هل ما نطلبه كثيرا في هذا العصر؟