عبدالله المطر العربي الجديد اللندنية أريد أن أتزوج رجلاً يقرأ. من ذا الذي زان لك هذا وأغراك به! إنك إن فعلتِ، فإنه سيعرفك في أول لقاء بأصدقاء سمره الغرباء: بروتاجوراس، فتجنشتاين، البسطامي، تشومسكي، ابن جني، دوستفسكي. سيضحك على طريقة نطقك بأسمائهم ويصحح لك: ابن جني بالجيم القاهرية ج ج جني وليس جني!! لا تتزوجي رجلا يقرأ، فسيكون لك من الضرات بعدد كتب مكتبته، ولكلهن حظٌّ من لياليك، نعم سيجلس في البيت طويلا إلا أنه حبيس مكتبه، لا يُدخل عليه ولا يخرج إليك حتى ينهك. لا تتزوجي رجلا يقرأ. أتعلمين أي لحظة في الكون ستكون الأثقل في حياتك؟ وستتكرر كل يوم، لحظة خروجك معه، ويبدأ بهذر خلاصة الكتاب الذي انتهى منه آنفاً، هنالك ينقبض النفس وينفد الأوكسجين، وتتلهين في البحث في حقيبتك عن لا شيء، وتشتهين لو تقذفي به أو بنفسك على أن يكمل خلاصته الغثة. لن يفتأ يرغبك بقراءة أحد كتبه السمجة، سيقيم الدنيا ولا يقعدها إن فقد قصاصات كان قد دعسها في أحد كتبه، يبقى يومه شارداً ليتذكر عبارة كان قد قرأها للجاحظ وأفلتت من ذاكرته. لا تتزوجي رجلا يقرأ. يأخذك إلى السوق تودين لو يتأبط ذراعك بدلا من ذلك الكتاب المأفون، وبعد دقائق معدودة من مجاملتك في النظر للملابس والأحذية، سيقول: أنا تعبت، أكملي أنت، إن انتهيتِ ستجدينني في تلك القهوة. لا أظن أنك ترغبين في أن تكون هدية عيد زواجك كتاباً مزداناً بوردة بيضاء وأخرى حمراء، أو عيد ميلادك.. كعكة مكتوب عليها بيت من أبيات الشعر الجاهلي التي يحبها ولا يملّ من تكرارها وترنيمها، وكأنك عفراء أو عبلة أو عَزّة. ستسافرين معه!! يجد لذة في القراءة في الطائرة، وكأنه لا يحسن التحدث وهو معلق في السماء، تأكدي أن لا يزامن سفرك معرضاً للكتاب في تلك البلدة، وإلا ستكون ثمانية أعشارها بين رفوف الكتب. لا تتزوجي رجلا يقرأ.. سيعلم أبناؤك في سن صغيرة كلمات غريبة كرقى العقارب والأفاعي: أيديولوجيا، ميتافيزيقا، ما بعد الحداثة، طوباوي، سيكولوجية، هرمونطيقا. لا تتزوجي رجلاً يقرأ.. إنك إن أغضبته، فانتظرته ليلاً وقد أظهرت من مفاتنك ما يحمله على اللين والرضا، وأهديته في تلك اللحظة كتابا زيادةً في إرضائه، سيلتفت إلى مفاتن الكتاب غاضاً عن مفاتنك، ستغلب رائحته المغبرة رائحة No 5 التي تتضوع منك، يمسك بكتابه آناء الليل، تطلبينه بأن يدلف إلى الفراش لتنالي دفأه وحنيته، سيقول: أُنْهي ذي الصفحة وآتي، تشخرين وتدخلين حلمك السابع وهو لم يأت بعد، تستيقظين من البرد فتجدين رأساً محشورة بين دفتي كتاب مرمية على مكتبه. جربي وألحّي عليه بالخروج في نزهة وهو منكبّ على كتبه. ربما سيوافق من لحاحتك لكن لسانه سيعقد النزهة كلها ندماً، وستظلين طوال النزهة تحاولين أن تكسبي منه كلاماً غير مقتضب أو ابتسامة غير متكلفة. لا تتزوجي رجلا يقرأ، فهو يعيش على الخيال والتجريد، كم اقترب منك وهو يرى فيك "ماجدولين"، "وردة الصحراء"، "أوكتافيا"، "ليلى الأخيلية"، "كوزيت"، ولا يراك. كلما تكلمتِ معه كما تتكلم قريناتك مع أزواجهن في أمور الحياة، سيتأفف ويسترجع، ويدَّكر معشوقته الأولى "هيبايشا"، التي أغلظ على الله الأيمان، لبلوغ وصال مثلها، ولم ولن يصلها، بل لو حظي ب"هيبايشا" عينها لعافها، فلن يكون مرآها كالتي قرأها، والأسوأ منه أن تتزوجي رجلاً يكتب.