الاقتصادية - السعودية ..هل الدين الإسلامي حكر على ناس معينين، في حيز معين، وبإهابات موسومة؟ لو كان الإسلام والدعوة له كذلك لما انتشر، وبقي دين عبادات محصورا في بيوت عبادة، أو لشعب مختار لا يتعداه. أقوى ما في الإسلام سهولة انتشاره، فالإسلام للناس أجمعين. الخروج للدعوة في الأقطار البعيدة كما فعل الفاتحون الأوائل هو الذي جعل الإسلام دينا عالميا تاريخيا يتصاعد في الأعداد والمساحة أكثر من أي دين سماوي آخر. ولو كانت دعوة الإسلام مقصورة على أماكن بعينها، أو محصورة بين جماعة متشابهين، لما تعدى الإسلام الحدود، ولا تعدى تلك الفئات. إن الدعوة للملتزمين في المساجد جيدة بالأكيد، ولكنها أحيانا كمن يعطي الطعام الجيد لناس أكثر ما لديهم هو الطعام الجيد. من يحتاج إلى الدعوة للإسلام وتعاليمه أكثر هم الجوعى له، أولئك البعيدون عنه، الضالون عن الاهتداء لطريقه الساطع، وميادينه الرحبة.. مع احتياج الجميع بلا استثناء إلى مزيد من أطيب زاد: تعاليم الإسلام. ونخاف من التمترس داخل حصون، فنفقد روح الدعوة المقتحمة، وتبقى ألماسة الدعوة في الخزانة لا يراها إلا محظيون. الإسلام للناس كافة، والناس الأحوج له، هم الأبعد عنه.. فمن أكثر حاجة للماء: الواقف على النبع، أم العطشان في البرية؟ الدين الإسلامي دين هداية، وصفة الداعية أن يكون منارة تضيء في الظلام، ولا حاجة لها أن تنير في النهار، وإن أنارت بالنهار، فالليل أحوج! من عقود كان داعية أزهريا كبيرا مصريا يكتب في مجلة سينمائية، مجلةٌ تعنى فقط بالفن والفنانين والفنانات، بالذات ما يسمى بالفن السابع: المسرح والسينما. وكان يبدو غريبا شاذا أن يكتب ذلك الشيخ في تلك المجلة التي تسبق مقالته صور تجرح الذوق قبل العين، وربما شاركته بصفحة ملاصقة.. كان الشيخ ألماسة متألقة شديدة التألق، لأنه خرج من الخزانة حيث جموع الألماسات وبقي مشعا فريدا في مكان معتم كل الإعتام.. الذي حصل أن صفحته، والذي صرح بذلك رئيس تحرير تلك المجلة "ولا يمكن أن يوصف أنه صاحب عصبية دينية إسلامية" صارت هي الأروج، وأقبل الشباب المصري الذي يتابع ويهوى أخبار الفنانين والفنانات، وهم الفئة التي اتخذت طريقا مختلفا ومخالفا للطريق الذي سميناه ساطعا، على قراءة صفحة الشيخ، والتف حوله معجبون ومعجبات بالآلاف، ولكن هذه المرة إعجابا ألماسيا نورانيا، وشاع أنه ساهم مباشرة في إصلاح حال فنانين وفنانات كبار.. لو لم يكتب الشيخ في تلك المجلة لربما فات على أولئك الكثرة التائهين أن يعرفوا الطريق القويم. تجد أن علماء أكثر تأثيرا من غيرهم لأنهم خرجوا من خزائنهم، وتسلموا ناصية الطريق السريع لكل الناس، وشاركوا في محافل الإعلام العامة وليست فقط المتخصصة الشرعية. كنت أسير مع الشيخ محمد العوضي في مطار الكويت ولا نستطيع أن نمر عبر بحر الناس المحيطين به، فنانة كويتية مرت بالمكان ذاته في المطار، قربت وألقت التحية على الشيخ باحترام واضح. وللشيخ "العوضي" حضور في الإعلام التلفزيوني في محطة فضائية مفتوحة، ويكتب في جريدة سيارة، ويذهب للديوانيات بكل أطيافها، لذا شعبيته آسرة. كان الشيخ سلمان العودة يظهر كل جمعة في محطة لا يمكن أن يقال إن صفتها دينية، ومع ذلك يفوز البرنامج بمشاهدية كبرى في العالم العربي. ويتميز "العودة" بجاذبية ألماسية، وبذكاء حاد، وحافظة لاقطة، ويظهر أيضا كعالم اجتماعي، ومعلم في قضايا الأمة. خروج العلماء لكل الفئات يعزز صورة علماء الدين، ويقوي من كميات النور التي تنطلق حزما عبر بحر يعج بقوارب تائهة بين اللجج في الظلام.