التقرير - السعودية سأتجاوز المقدمة الكلاسيكية عن تكريم الإسلام للمرأة ومقارنة قدرها عند الفرس والرومان والعرب قبل الإسلام وبعده، وسأقفز بكم إلى آخر أيام نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو يوصي أمته قبل وفاته، فيقول: "استوصوا بالنساء خيرًا". ولعله خشي على نساء أمته من غلظة ذكورها... وكأنه كان ينظر إلى مستقبل قاتم ينتظرها،، ** ** ** إحصائيات العنف الأسري مرعبة.. عشرات الآلاف من النساء يشكون عنفاً جسدياً أو لفظياً، ويتزايد القلق حين تتذكر غياب الشفافية التي بها تتكشف حقيقة العنف الذي تعانيه النساء خلف الأبواب الموصدة، بحجة "البيوت أسرار". بالتأكيد هناك نساء يتعوذ الشيطان نفسه من دهائهن ويملكن مهارة "التخطيط الجهنمي" الذي يمارسنه باحترافية تليق بفرق ال CIA، لكن الأصل هو "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، ولا يقبل أبداً أن ينقلب الزواج إلى ساحة قتال رومانية يعلو فيها زئير الأسود وصراخ العبيد. ولعلك تسمع عن زوج استمع إلى خطبة جاء فيها ذكر قصة النساء اللاتي ذهبن إلى نبينا صلى الله عليه وسلم يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد طاف بآل محمد نساء كثيرات يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم"، ثم عاد إلى بيته وصيّره جحيماً من أجل أمر تافه لم يتذكره بعد يوم واحد. ولا يتوقف المشهد هنا.. تعود الملكة –وحول عينها اليسرى كدمة زرقاء خضراء- إلى بيت أبيها أو أخيها.. هل تجد باباً مفتوحاً؟ هل ينتظرها صدر دافئ؟ كم من ملكة وقفت بباب أبيها، وهي تحمل طفلاً بين ذراعيها، وآخر يمسك بعباءتها، وقد ذاب كحل عينيها لتسمع "ما عندنا بنات يتطلقن" أو "من بيتك لقبرك"؟ ثم ينكسر ما بقي من قلبها الصغير، وتعود إلى قبرها.. وتبحث عن تاجها المحطم. ** ** ** إحصائيات الطلاق لا تقل إرعاباً.. تزيد وتنقص من سنة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، لكنها مرتفعة.. مرتفعة جداً.. لا يهم من تسبب في إنهاء الزواج، لأن النتيجة واحدة.. صارت ملكتنا مطلقة.. وللمطلقة مغامرات في مملكتها.. أولى مغامراتها تبدأ مع مجتمع "محافظ" يلصق بها كل تهمة وكل لقب، ثم تتجدد حكاياتها في صالات المحاكم ومراكز الشرطة في الليل والنهار، من أجل رؤية ابنها أو تقبيل ابنتها، وتزور تلك الأماكن وهي تدرك أن زياراتها قد تزيد وتطول، وقد تنقص وتقصر، وتختار أن لا تفكر في الثمن الذي يتوجب عليها دفعه، ثم تتوالى قصص التوظيف ومواعيد المستشفيات وتسجيل أبنائها في المدارس.. وفي كل مرة تمارس الملكة دورها الملكي تتساءل في ألم.. هل ضاع تاجها؟ ** ** ** والملكة التي مات زوجها.. تغادر منزلها كل يوم قبل الشروق وتسير مسافة ميل لتجد سيارة أجرة (رسمية أو غير رسمية حسب حظها في ذلك اليوم)، لتوصل ابنها إلى المدرسة، ثم تعود وهي تلم أطراف عباءتها وهي تراقب أنامل السائق وهو يعدّل المرآة ليلمح طرفاً من عينيها. أين تاجها؟ والملكة التي سكن ابنها زنزانة بعيدة.. تقف على باب السجان.. ترجوه أن يرحم كبر سنّها، وأن يمن عليها بلحظة عناق تعيد إليها شيئاً من عمرها الذي تلاشى في صمت.. وترى ابنها مرة.. وتُحرم رؤيته مرات.. أين تاجها؟ والملكة التي تتقدم لوظيفة.. قد تنالها، وقد يساومها كائن قذر يرى في عينيها الحاجة.. وتتقطع روحها وهي ترى الخيار بين شرف لا يعود وجوع لا يرحم.. أين تاجها؟ والملكة التي تمرض ابنتها.. ولا تمرض ابنتها إلا في منتصف الليل.. وليس لها أب، ولها أخ فقد مروءته، ولا تملك أن تقود سيارتها، ولا تفهم لم لا يوجد في بلادها وسائل نقل عام.. تجد نفسها تدق على باب الجيران لترجوهم مرة أخرى أن ينقذوا ابنتها التي تقطعت أنفاسها.. أين تاجها؟ ** ** ** المرأة هنا ملكة حقاً.. لكن في سياق واضح محدد يعرفه المجتمع.. هي ملكة في البنوك، فتراها تشق صفوف الانتظار ولا تكترث لك وقد تقرحت قدماك من الانتظار، وجرب أن تعترض لتنالك الركلات والصفعات والشتائم "يا قليل الحيا"! وهي ملكة عند بوابات المجمعات التجارية، فتدخلها ليلاً ونهاراً، لحاجة ولغير حاجة، وتتبسم حين ترى شاباً يتوسل رجل الأمن ليسمح له بالدخول لنصف دقيقة من أجل أن يبدل حذاءه قبل أن تنتهي فترة التبديل. وهي ملكة.. عند محلات الشاورما.. وفي الصيدليات.. وعند عربة "البليلة".. وهي أيضاً ملكة.. حين أتاحوا لها "التعيين" في مجلس الشورى.. وحين منحوها جوائز محلية ودولية.. وحين نشروا لها مقالاتها وصفقوا لها في الحفلات.. ** ** ** لكن يهمنا أمر الملكة "العادية".. فنريد لها قانوناً يحميها ويكفل لها حقوقها التي أنزلها الله وأقرها الشرع، وأقصد قانوناً تتلمس آثاره في حياتها دون حاجة إلى "واسطة". ونريد لها نظاماً مجتمعياً تكافلياً يتيح لها مجالات تبرز فيها مواهبها ولتثبت وجودها وقدرها دون منة من أحد عليها. ونريد أن نتوقف عن استخدام عبارة "كرم الإسلام المرأة"، فقد عرفنا أن شرع الله قد كرّمها، ويبقى السؤال: هل كرمناها أيضاً؟ (ومن باب أولى نتوقف عن تكرار مقولة "نساء العالم يحسدن نساءنا" لأنها مستفزة بشكل لا يوصف) ** ** ** ليس من المقبول أن تعيش الملكة عمرها كله... وهي لا تفهم كيف تكون ملكة وهي لا تعرف أين تاجها!