الاقتصادية - السعودية تطرق أحدث تقرير إحصائي منشور للمؤسسة العامة للتقاعد إلى العديد من البيانات الإحصائية عن المتقاعدين واستثمارات المؤسسة. وأوضح تقرير 2012، أن المؤسسة تتبع أساليب الاستثمار الآمنة وطويلة الأجل، وذلك بالاستثمار في أصول آمنة، وتنويع هذه الأصول لتوزيع المخاطر. وذكر التقرير أن استثمارات المؤسسة الخارجية والداخلية حققت معدل عائد إجمالي وصل إلى 9.8 في المائة في عام 2012، وأن العائد على الاستثمارات الخارجية كان أعلى بكثير من العائد على الاستثمارات المحلية، حيث وصل إلى 15.2 في المائة، بينما كان العائد على الاستثمارات المحلية في حدود 3.9 في المائة. من جهةٍ أخرى، أغفل التقرير أي ذكر لإجمالي استثمارات المؤسسة ولا توزيعاتها المحلية والخارجية، وإن كان من السهل معرفة نسب تمثيل الاستثمارات المحلية والخارجية من خلال نسب الأرباح المذكورة، حيث مثّلت الاستثمارات المحلية نحو 47 في المائة من إجمالي استثمارات المؤسسة في عام 2012. وبهذا تراجعت الاستثمارات المحلية من إجمالي استثمارات المؤسسة عن مستوياتها السابقة التي كانت تبلغ 65 في المائة قبل عدة سنوات. ولا يتحدث التقرير عن أنشطة استثمار المؤسسة في السندات والأوراق المالية المحلية سواءً كانت حكومية، أو خاصة، أو شهادات الإيداع لدى مؤسسة النقد العربي السعودي. ويشير تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي لشباط (فبراير) إلى أن إجمالي أصول المؤسسات والهيئات المستقلة وصل إلى نحو 626 مليار ريال في نهاية شباط (فبراير) من عام 2014، ومن شبه المؤكد أن المؤسسة العامة للتقاعد تستحوذ على الجزء الأكبر من هذه الأصول، حيث تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي بإدارة مئات المليارات من الريالات التي تعود لمؤسسة التقاعد، ولكن لا توفر بيانات مؤسسة النقد بيانات معينة تخص مؤسسة التقاعد. ويبدو أن جزءاً كبيراً من إيداعات المؤسسة تستثمر في أوراق مالية محلية منخفضة العائد، وقد تكون عبارة عن شهادات إيداع لدى مؤسسة النقد. وهذا قد يفسر إلى حد كبير تراجع العائد المحلي على استثمارات المؤسسة العامة للتقاعد. من جهةٍ أخرى، يدخل ضمن معدل العائد الذي حققته الاستثمارات ارتفاع قيمة الأصول المستثمرة. وقد حققت الأصول المحلية معدل عائد منخفض يصل إلى نحو 3.9 في المائة، على الرغم من ارتفاع قيمة استثمارات المؤسسة في سوق الأسهم السعودي بنسبة 7 في المائة في عام 2012. ويأتي في التقرير أن مؤسسة التقاعد استثمرت في سوق الأسهم السعودي وفي شركات متعددة مبالغ وصلت قيمتها السوقية في عام 2012 إلى 53.3 مليار ريال. ومن المؤكد أن هذه القيمة ارتفعت انسجاماً مع ارتفاع الأسهم السعودية خلال الفترة الماضية. كما استثمرت المؤسسة في سوق العقار المحلي مبالغ إضافية وصل إجمالي قيمتها إلى 23.2 مليار ريال عند إعداد التقرير، ومن المؤكد أيضاً أن قيمة هذه الاستثمارات قد ارتفعت بسبب زيادة أسعار العقار. لقد ورد في التقرير السنوي لمؤسسة التقاعد، الكثير من البيانات عن المتقاعدين، كما وردت بعض المعلومات عن استثمارات المؤسسة، ولكن لم ترد معلومات عن معظم استثمارات المؤسسة والتي تزيد في تقديري على 500 أو 600 مليار ريال. وقد كانت المؤسسة تعتبر في السابق أكبر مستثمر في سندات التنمية الحكومية والتي سُدد معظمها. وتشير بيانات مصروفات المؤسسة إلى ارتفاع كبير في نفقاتها على المتقاعدين، حيث يذكر التقرير أنها تجاوزت 44 مليار ريال في عام 2012، ولكن التقرير لا يتطرق إلى إجمالي إيراداتها من اشتراكات الدولة والموظفين ولا من الاستثمارات. كما لا ترد أي بيانات عن إجمالي الاستثمارات سواءً كانت محلية أو أجنبية. وتعتمد مئات الآلاف من الأسر على ما تدفعه المؤسسة من مستحقات التقاعد، كما أنها تدير مجموعة استثمارات ضخمة تساهم في النشاط الاقتصادي الوطني وتؤثر على توجهاته. وتؤثر سياسة المؤسسة على حياة الكثير من الموطنين، كما لا يقتصر تأثيرها على الجيل الحالي ولكنه يمتد إلى الأجيال المقبلة، ولهذا لا بد من توفير أكبر قدر من البيانات حول أنشطتها وسياساتها وإصدارها بشكل شفاف ومنتظم ودوري وجذاب. إن من الصعب فهم عدم إصدار ميزانية عامة للمؤسسة العامة للتقاعد ونقص الشفافية في بياناتها، خصوصاً أنها مؤسسة عامة، ويجدر أن تكون الأحرص على الشفافية. وترتفع أهمية الشفافية حول بياناتها لعدة أسباب، لعل من أبرزها أنها من كبار المستثمرين في المملكة، وقد تكون في المرتبة الثانية بعد الدولة في مجال الاستثمار، ولهذا فإن سياستها وبياناتها المالية تهم الأسواق المحلية المالية وغير المالية، ويجب أن تصدر بيانات تفصيلية عن أنشطتها المالية. وتصدر مؤسسات التقاعد في الدول المتقدمة ميزانيات توضح بها الكثير من التفاصيل بما في ذلك إجمالي إنفاقها وإيراداتها والتغير في إجمالي أصولها، وذلك لأن هذه التفاصيل مهمة لعموم السكان والأسواق. فما المانع من الاقتداء بهذه الدول ونشر ميزانية المؤسسة والتعرف على أنشطتها. إن من حق عموم المواطنين، خصوصاً موظفي الدولة والمتقاعدين، التعرف على نتائج أعمال المؤسسة والاطمئنان على أدائها. وتتحمل المؤسسة العامة للتقاعد مسؤوليات ضخمة تجاه المتقاعدين حالياً ومتقاعدي الأجيال المقبلة. ولكن لا تتوافر حول المؤسسة بيانات كافية، وشفافية عالية حول تكاليف إدارتها، ولا حجم استثماراتها المحلية والدولية، ولا حتى إجمالي موجوداتها والعائدات الموزعة أو العائدات من ارتفاع قيم الأصول. إن تبني أعلى معايير الشفافية هو من أجدى أساليب رفع كفاءة الأجهزة العامة والخاصة والحفاظ على النزاهة والحد من الفساد. وستواجه المؤسسة تكاليف متزايدة مع مرور الوقت بسبب ارتفاع معدلات عمر الموظفين وتزايد أعداد المتقاعدين والتي سترفع إجمالي نفقات المؤسسة بشكل كبير خلال السنوات المقبلة. ونشر بيانات المؤسسة المالية سيساعد على رفع مستويات الحوار حول قضايا التقاعد، وفي توعية الموظفين والمجتمع بشكل إجمالي حول هذه القضايا، وسيساعد في النهاية في إيجاد حلول للمعضلات التي قد تنشأ مع مرور الوقت، وتعديل أنظمة التقاعد، حيث تكون قادرة للاستمرار في أداء المطلوب منها.