اليوم - السعودية من الأشياء ما قد يبدو في ظاهره نقمة، ولكنه في حقيقته نعمة، ومنها الآلام والتي قد لا نرى منها إلا وجهاً واحداً فقط وهو جانب الشقاء والعذاب والمعاناة، لذلك يعرف الألم بأنه إحساس مرهق أو إحساس بغيض، بل يرى بعضهم أنه آفة وشر، ولكن من خلال النظرة المتأنية والتفكير العميق والتأمل المتوازن للبحث عن الحقيقة من جميع وجوهها، يتبين لنا عكس ذلك، فالله (سبحانه وتعالى) هو خالق كل شيء، والألم شيء من الأشياء، ومقتضى حكمة الله ألا يخلق الشيء عبثاً دون منفعة أو جدوى، فمن المؤكد أن ثمة منفعة وفائدة من ورائه للبشر، علمها من علمها وجهلها من جهلها. والحديث عن فوائد ومنافع الآلام متشعب ومتنوع، بعضها مادي وبعضها نفسي ومعنوي وبعضها يتحقق للفرد وبعضها يتحقق للجماعة، بل ربما يرتقي إلى مستوى الأمم والشعوب، ومن هذه الفوائد، أن الألم بالرغم من أنه احساس غير مرغوب فيه إلا أنه يجبر الإنسان على الراحة وتلمس العلاج واستشارة الطبيب، مما لا يترك الفرصة للمرض أن يستفحل وحينئذ يصعب علاجه، وبهذا يكون الألم وقاية للإنسان من آلام ومعاناة أكبر. وكذلك الحال بالنسبة للألم النفسي، فإن الألم النفسي الناشئ مثلاً عن خوف العبد من عذاب الله يقيه (بإذن الله) من الوقوع في مسببات وموجبات العذاب في الدنيا والآخرة، والألم قرين الإحساس، والإحساس آية الحياة، ولا يمكن أن نتصور حياة خالية من الإحساس والألم، وكما قيل: (أنا أتألم إذاً أنا موجود). ومن هنا فالآلام تربي فينا نعمة الإحساس بالآخرين، فنقدم لهم العون والمساعدة فيتحقق التكافل الاجتماعي، فالغني يتألم للفقير فتكون الصدقة والزكاة، والمقتدر يتألم للمعوزين فتكون المشروعات الخيرية، والقوي يتألم للضعيف فتكون النصرة والمدافعة، والعالم أو المخترع يتألم لمأساة مجتمعه ومعاناته فتكون الاختراعات والاكتشافات العلمية التي تخفف المعاناة وتنشر الخير والرفاهية، والآلام تقوي العزيمة والإرادة ويستمد الإنسان من مقاومتها قوة وصلابة يستطيع بها مواجهة الحياة وظروفها القاسية، فألم الإخفاق يدفع بصاحبه إلى طريق النجاح، وألم الفقر والحاجة يدفع بصاحبه للعمل والإنتاج لتحقيق الغنى والثراء، وألم الندم على المعصية يقود صاحبه إلى لذة الطاعة والعبادة، بل ان الآلام تسهم في صناعة مستقبل الشعوب وقيام حضاراتها، فكم من الأمم عانت آلام التخلف والفوضى والضياع ردحاً من الزمان، فكان هذا الألم دافعاً وحافزاً للسير بخطى ثابتة نحو العلم والعمل وبناء الحضارة، وكذلك الشعوب التي تعاني من ويلات الحروب وآلامها تسعى جاهدة إلى طريق السلام والوئام. ومن هنا يتبين لنا أن الآلام مهما تعددت وتباينت بالإمكان أن تكون نعمة مباركة وثمرة طيبة وباعثاً لعلو الهمم ومحركاً للطاقات البناءة ومحفزاً للعقول المفكرة المبدعة وأداة بناء في المجتمع ووسيلة من وسائل التربية الإنسانية، بل ربما يكون الألم (نعمة الحياة وسراً من أسرار النجاح).