سبق - السعودية ليس خفياً على أحد أن مقولة "ابن البلد أولى" باتت ثقافة شعب، وأن المجتمع السعودي لديه رغبة جامحة في الوقوف في صف التاجر السعودي، والعامل السعودي أكثر من أي جنسية أخرى، وهذا يتضح جلياً في الثقة المتبادلة التي تظهر فور ما تتبين جنسية التاجر أو العامل. بين أوساط الشباب على أقل تقدير، يظهر حجم من التعظيم والتبجيل لأولئك المكافحين الذين بدؤوا من الصفر في تجارتهم، ويتبادل الشباب حديثهم بإعجاب عن شاب بالعشرينيات استطاع اقتحام سوق العقار والأراضي، أو استطاع تكوين نفسه بمؤسسة شقت طريقها في التعمير والبناء، وهذا نابع من ثقافة شعب يرغب في رؤية المزيد من أبنائه يتولون أمرهم بدلاً من الشركات التي تدار بالخفاء، أو بأيدٍ غير سعودية. إضافة إلى أننا شعب أصابه الملل والضجر من العمالة التي لا تمتلك سقفاً للجودة، وإنما تسعى لقبض المال والمزيد من المال فقط، دون الحرص على تقديم منتج أصلي أو خدمة جيدة، وهو الذي جعلنا نستبشر بكل لائحة تبشر بوجود ابن من أبناء البلد، جاء ليعوض الناس عن النقص ذاته الذي ذاقه عندما كان واحداً منهم. لكن الصدمة تأتي مضاعفة عندما تقابَل ثقة الشعب من التاجر السعودي بجشع موحش، وبتعامل صلف، وبصورة مؤلمة وأسلوب انتهازي بجمع المال من كل الطرق وبكل الوسائل. لا أظنك تجهل عزيزي القارئ أن شوارعنا لا تخلو من مظاهر الجشع، لعل أبرزها تاجر يبني عمارته بطابقين وبشقق تكفي لخمسين شخصاً على الأقل، وبمواقف سيارات لا تسع لعشرين سيارة.. ولعلك أيضاً لا تغفل أن المبنى ذاته قد تم تأجير عدد لا بأس به من المحال التجارية التي تشترك بالمواقف ذاتها، كما لا يخفى عليك تردي مستوى الصيانة والمتابعة والنظافة، وأن العلاقة الوحيدة التي ترى فيها التاجر هي لحظة دفع الإيجار. وبمثال آخر لا يقل جشعاً: محطة بنزين بمساحة ضيقة، تحوي محلاً للتموين الغذائي ومحلاً لغسيل السيارات وآخر لزينة السيارات، وعند توافر مساحة ضيقة ستجدها مؤجَّرة لأحد صرافات البنوك، وبزاوية ضيقة جداً تجد مصلَّى متهالك.. وكمية من التكدس والزحام والفوضى، وتاجرنا لا يبالي ومهووس بالتأجير. لا أريدك أن تحصر نظرك في هذا الجانب فقط وأنت تتجول، فقط أمعن النظر ولن يخفى عن ناظريك جشع تاجر سعودي، كنت تنتظر منه ما لا تنتظر من غيره. هذا المقال ليس تعميماً، لكنه رصد لواقع مُرّ، وبشكل مبسط، وبمزيد من التعمق والملاحظة قد ترى ما هو أعظم.