قد تستغرب انك قد شاركت في عمليات الاقتصاد الخفي «جميع العمليات التي لا تدخل في الحسابات القومية أو غير الشرعية» مباشرة أو غير مباشرة وأنت لا تعلم بذلك، فعندما يأتي سباك أو كهربائي إلى بيتك لإصلاح شيء ما وتدفع له نقداً فأنت قد شاركت في ذلك، وعندما تشغل سائقاً لديك باسم شخص آخر فأنت تدعم الاقتصاد الخفي، وعندما تعمل في عمل ما ولا تعلن دخلك للسلطات الحكومية فأنت مشارك فيه، وعندما تشتري من محال لا تعتمد على نظام محاسبي ولا تعطي فواتير من الكاشير فأنت أيضاً مشارك فيه. وعندما تشتري من الباعة المتجولة أو التي تبيع بضائعها على الأرصفة فأنت مشارك، وعندما تعطي بعض النقود للمتسولين عند الإشارات المرورية فأنت مشارك. وبعض الأحيان تستغرب أن أسعار بعض البضائع في بعض المحلات منخفضة مقارنة بقريناتها لأنها انتاج الاقتصاد الخفي. كما تلاحظ محال تغلق ابوابها خلال مدة وتفتح محال جديدة بأسماء مختلفة لأنها تعمل في الاقتصاد الخفي وتحاول اخفاء شخصيتها خوفا من اكتشافها. وبعض الأحيان تشتري سلعا أو خدمات تجد أن جودتها رديئة ولكن أسعارها منخفضة بل ان معظمها مغشوشة انها نتيجة الاقتصاد الخفي. كما انك تشكك في معدل البطالة لدينا 12% الذي يقوم على اسئلة المسوحات وتأتي بعض الاجابات عليها زائفة وكاذبة، فأنت تعلم أن الطلب مرتفع جدا على العمالة ونستقدم مئات الآلاف من العمالة الأجنبية سنوياً وسوق العمل يغص بتلك العمالة، انها دقة المعلومات التي يفسدها عمل الافراد في الاقتصاد الخفي دون حسابهم في السوق الرسمي للعمل. كما تستغرب أن التضخم لدينا أقل من 5% بينما في الواقع بعض السلع والخدمات ترتفع أسعارها بصوره مطردة وأسرع من متوسط التغير في معدل التضخم الشهري أو السنوي. وقد تجد الحسابات القومية ومؤشراتها مرتفعة أو منخفضة بأكثر أو أقل من المفروض لأن الاقتصاد الخفي يحرفها عن مسارها، ما ينعكس سلبياً على أداء سياساتنا وخططنا واستراتيجياتنا الاقتصادية والاجتماعية، فنجد ما يحدث على أرض الواقع أقل بكثير من المتوقع لأن تأثير الاقتصاد الخفي يضخم الأرقام أو ينقصها. إن الاقتصاد الخفي شيطان الاقتصاد الرسمي لأنه يضلله بالمراوغة ويفلت من دائرة الأنظمة والقوانين وعبر الزمن سينهكه بل يفشل سياساته الاقتصادية، ألا تلاحظ ذلك في أداء الخدمات العامة والخاصة على السواء. إن هذا الشيطان يزيد عنفوانه مع زيادة السيولة النقدية في المبادلات التجارية لاختفائه بين أوراق النقود دون أن تراه السلطات الرسمية، ويزداد نموه مع تشدد الأنظمة وارتفاع الرسوم الحكوميه وكثرة الاجراءات ليجعل من تكاليفها الملموسة وغير الملموسة عائداً للمتعاملين في ذلك الاقتصاد. إن كل ما ذكرته قليل من كثير عن الاقتصاد الخفي فدعونا نتحدث عن الأرقام. لقد أوضح تقرير شنايدر في 2007، أن الاقتصاد الخفي في السعودية بلغ متوسط نسبته من إجمالي الناتج المحلي الاسمي 18.7% والتي استمرت شبه ثابتة من 1999 إلى 2007 ولكن من الملاحظ أن قيمة الاقتصاد الخفي ارتفعت تصاعدياً من أكثر من 109 مليارات ريال في 1999م إلى 312 مليار ريال في 2007 أي بنمو قدره 185%، وبعد حساب الاقتصاد الخفي من اجمالي الناتج المحلي الاسمي خلال الفترة من 2008 إلى 2012، مستخدماً متوسط نسبة الاقتصاد الخفي السابقة لتحديث الأرقام، وجدت أن حجم الاقتصاد الخفي قد ارتفع إلى أكثر من 510 مليارات ريال في 2012م، رغم فرضية ثبات نسبة الاقتصاد الخفي التي لا تتوافق مع سلوك النسب في الفترة السابقة 1999-2007. هكذا نحتاج إلى نظام لمكافحة الاقتصاد الخفي في السعودية، حيث أصبحت الحاجة ملحة لمعالجة تشوهات الاحصاءات العامة والاقتصاد الرسمي الناتجة عن الاقتصاد الموازي «الخفي» والذي اهدر الكثير من الموارد المالية والبشرية على حساب اقتصادنا.