ظاهرة اعتمادنا الكبير على الأيدي العاملة الوافدة، وبالذات حين ترتفع معدلات النشاط الاقتصادي لدينا بين فترة وأخرى، كما هو جار الآن، تلقي بظلالها على قطاعات خدمية عديدة من بينها قطاع الإسكان، مدينة الرياض العاصمة ربما تمثل عين هذه الظاهرة، باستقطابها لما تزيد نسبته عن 26% من الأيدي العاملة الوافدة للمملكة، وبعدد يبلغ نحو 2.2 مليون مقيم من الوافدين يمثلون أكثر من 42% من سكان الرياض، الجانب الذي يعكس شيئا من الهاجس وربما القلق الاجتماعي والأمني من وجود ما يزيد على 600 ألف من الذكور العزاب من بين هذه الأيدي العاملة في المدينة، الذي إن اعتبرت نسبتهم على المستوى الوطني هي ذات النسبة في مدينة الرياض فلربما تجاوزوا المليونين ونصف المليون من إجمالي الأيدي العاملة المقيمة بالمملكة التي تبلغ 8.4 ملايين وافد. في مدينة الرياض تسكن نسبة تبلغ 20% من هؤلاء في في اسكان المدينة الصناعية، أما النسبة الغالبة وهي 80% فتقيم إما في مناطق المستودعات والورش، أو البيوت الطينية في وسط المدينة، أو الوحدات السكنية التي هجرها سكانها في الأحياء القديمة، والفئات الأخيرة من أماكن الإقامة أي عدا ما في المدينة الصناعية، هي بالإضافة إلى أنها تفتقر في وضعها الحالي للحد الأدنى من متطلبات الراحة والصحة والسلامة والأمان، تعاني بسبب كثافة إشغالها وتكدس السكان المفرط بها من الاكتظاظ، الذي يبلغ معدله أضعاف المتوسط المقبول وهو 2.5 شخص / غرفة، هذا بخلاف شيوع عدم الارتياح لدى الأسر المقيمة داخل الأحياء التي تعاني من تسرب العمالة الوافدة من العزاب إلى بعض وحدات أحيائهم السكنية. كما هو معروف يوجد هناك إطار تنظيمي لهذا النوع من خدمات الإسكان الموجهة لهذه الشريحة من المجتمع، مواطنين أو مقيمين، هي لائحة الشروط الصحية لمساكن العمال داخل العمران، التي أقرت من مجلس الوزراء في عام 1422ه، لكن يبدو أن هذا التشريع لم يكن كافياً لتشجيع قيام مشروعات إسكان تلبي هذا الاحتياج، وتنافس وحدات الاسكان التقليدية القائمة، الأمر الذي حدا بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض إلى الاهتمام بهذه المشكلة التي نبعت من دراساتها التي تلامس قضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية في المدينة، فسعت لوضع ضوابط لتشجيع الاستثمار في هذا المجال، وتخصيص أربعة مواقع لإقامة مجمعات سكنية للعمالة في أطراف المدينة، وذلك بهدف توفير الاسكان المناسب للعمال العزاب في العاصمة الرياض بجميع فئاتهم، من عمال غير مهرة وفنيين ومشرفين، إضافة إلى الإداريين والمهندسين، والحرص على إيجاد المرافق الخدمية والرعاية الصحية داخل تلك المجمعات. تحرك الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تجاه هذا الأمر، يعد مشكوراً، لكن يظل محدوداً وفي إطار مدينة الرياض فقط، لكن ماذا عن المدن الأخرى..؟ إن من الأهداف التي يقوم عليها تنظيم جهاز الإسكان في المملكة هو تشجيع مشاركة القطاع الخاص في دعم نشاطات وبرامج الإسكان المختلفة، ومن سبل تحقيق تلك الأهداف تشجيع إنشاء جمعيات تعاونية للإسكان، الأمر الذي يقود إلى مطالبة القطاع الخاص ممثلاً في الغرف التجارية الصناعية بمناطق ومحافظات المملكة بأن يساهم في معالجة هذه المشكلة، من خلال قيام تلك الغرف بالمبادرة لإنشاء جمعيات اسكان للوافدين العزاب بشكل خاص، العاملين لدى منسوبيها من الشركات والمؤسسات، ومشاركة بعض تلك الشركات والمؤسسات بحصص في تأسيسها، لتتولى تلك الجمعيات بدورها إقامة مشروعات إسكان يوجه الوافدون الأفراد العاملون لدى القطاع الخاص لاستئجار الوحدات السكنية التي تقع في تلك المشروعات، عبر بدل السكن الذي يعطى لهم، بحيث يقصر فقط على تلك المشروعات، وبقدر ما يتوفر منها، وبالتالي نضمن توجه التحويلات المالية السنوية للوافدين من بدل السكن الذي يصرف لهم «30% من دخل الوافد» لتوظف في مشروعات استثمارية محلية تحقق عوائد للقطاع الخاص، سواء من خلال تأجير الوحدات السكنية، او الخدمات التجارية والترفيهية وخلافها التي يمكن أن تتضمنها مشروعات الإسكان التي تقيمها تلك الجمعيات، مع الإسهام في ذات الوقت بالتخفيف من أزمة الإسكان بوجه عام في المملكة.