يعمد كثير من الخصوم إلى تعمد التغيب عن جلسات القضاء، وذلك إمعانا في إلحاق الأذى بمن اضطروهم إلى اللجوء للقضاء لدفع ضررهم عنهم أو استرداد حقوقهم منهم، وهؤلاء الخصوم المماطلون في حضور جلسات التقاضي يضيفون بهذه المماطلة جرما جديدا إلى رصيدهم في الإضرار بضحاياهم، وهو جرم يقف القضاء شاهدا عليه، ولعل من شأنه أن يكون مؤشرا على الجرم الأساسي الذي لم يشهده القضاء ويحتاج إلى إقامة الشواهد عليه، ذلك أن هؤلاء الخصوم لو كانوا واثقين أن لهم الحق وأن القضاء سوف يحكم لصالحهم ما ماطلوا في حضور جلسات التقاضي. وإذا كانت هذه المماطلة أمرا متوقعا من خصوم لا يمتلكون ضميرا يردعهم عن الإمعان في كيد من يخاصمونهم أمام القضاء، ويرهبون حكما قضائيا يمكن أن يصدر ضدهم فيما هو منظور أمام المحاكم، فإن من غير المعقول ولا المقبول أن تلجأ جهات وأجهزة ومؤسسات ووزارات حكومية إلى مثل هذه الممارسة، فتتعمد التغيب عن جلسات تقاضٍ في قضايا استشعر مواطن أو مواطنون أن هذه الجهة الحكومية أو تلك قد ألحقت الضيم والضرر بهم أو حرمتهم من حق مستحق من حقوقهم، ليس من المعقول ولا المقبول أن تعمد جهة حكومية تعرف النظام ومن المفترض أن تكون حريصة على تنفيذه وتقدر القضاء وتكون أكثر حرصا على احترامه إلى ممارسة لا يعمد إليها إلا من يجهل الأنظمة أو لا يبالي بها ولا يمتلك بعد ذلك وقبل ذلك ضميرا يمكن له أن يؤنبه على جهل أو يلومه على تفريط. من المخجل أن تعمد جهات حكومية إلى مثل هذا التصرف غير المسؤول، على نحو يدفع المحاكم الإدارية للقيام بحصر ورصد الجهات الحكومية المماطلة في حضور الجلسات في كافة المناطق، أو تلك الجهات التي تماطل في توفير المعلومات ولا تتعامل بجدية في الترافع عند حضورها الجلسات، ما يؤدي إلى تأجيل الجلسات وإطالة مدة التقاضي. والقضاء بحاجة إلى تفعيل نظامه الذي ينص على البت في القضايا إذا تغيب الخصم عن جلستين للتقاضي، ولعل ذلك وحده لا يكفي، ذلك أن من يتعمد تعطيل القضاء بتعمد التغيب أو عدم الجدية في الترافع يتحول إلى خصم للقضاء نفسه، وعلى القضاء كذلك أن ينظر إلى هذه المسألة باعتبارها مخالفة في حد ذاتها تقتضي من العدالة أن يكون لها حكم في حد ذاتها تتم إضافته إلى الحكم الصادر في القضية الأساسية.