أعود إلى خبر نشرته «الحياة» عنوانه (موافقة «المحرم» شرط للترخيص للسعودية بفتح «حضانة»)! بحثت على الإنترنت فوجدت نسخة مكتوبة (word document) تحت رابط الوزارة تضمنت الشروط المنظمة لافتتاح «حضانة» أهلية ومنها تقديم شهادة حسن سير وسلوك مصدقة من جهة دينية مسؤولة! والحقيقة لم أفهم ما هي الجهة الدينية تحديداً، وعلى أي أساس ستقيم سلوك المرأة؟ يعني لو لم تكن ممن يغطين الوجه، أو لا تلبس عباءة على الرأس من الاحتمال أن لا تمنح هذه الشهادة؟ يعني هل هي شهادة أخلاقية تثبت أنها «ماشية عِدِل»؟ بحثت على الموقع الإلكتروني للوزارة فوجدت أن جميع النشاطات الأخرى التي تستخرج تراخيصها من الوزارة كمعاهد اللغة الإنكليزية، ومراكز الإشراف والتدريب التربوية تشترط ضمن بنودها موافقة ولي الأمر، مصدقة من جهة رسمية، إذا كانت المتقدمة امرأة! اتصلت بمديرة إحدى المدارس الأهلية فأكدت أن كل التصاريح والأوراق الخاصة بالوزارة، وحتى عقود المعلمات لابد أن تكون مرفقة بموافقة ولي الأمر. فمن ضمن شروط ترخيص إنشاء مدرسة أهلية للمرأة إقرار خطي من ولي أمر صاحبة الطلب، كما هو شرط أساسي لعمل المعلمة أو الإدارية يجدد مع عقدها، ويقر فيه محرم (فلانة) بأنه موافق على عملها، ويؤكد التزامه بنصوص العقد، وإبلاغ المدرسة في حالة انقطاعها عن العمل. الواقع يثبت وجود خطوات بطيئة نحو حسم قضية الولاية على المرأة الراشدة وما تسببه من مشكلات ترتبط بشكل أساسي بحقوقها الإنسانية كحقها في التعليم والعمل والتنقل والمشاركة في الحياة العامة على قدر من المساواة. صحيح أن وزارة العمل قد ألغت شرط موافقة «ولي الأمر» على عمل المرأة، وهو خطوة إيجابية، إلا أن جهات رسمية عدة ما زالت تعتبره شرطاً رئيساً في تعاملاتها معها. فشرط موافقة «المحرم» عقبة تهدد المرأة في الحصول على أي من حقوقها الإنسانية المشروعة، لأنها تشترط منحه بموافقة شخص آخر قد يقبل أو يرفض أو حتى يماطل أو يتكاسل لسبب أو لآخر. تلك الاشتراطات تمنح سلطة غير منطقية لهذا «الولي» مما يمكن أن يؤسس للاستبداد والعنف إلا من رحم ربي! كما أنها تكلف هذا الرجل ما لا طاقة له به، وتزيد من أعبائه غير الضرورية في شأن أسري بحت. وعندما تتبنى الجهة المسؤولة عن تربية النشء وتعليمه فكراً يعتبر المرأة غير مسؤولة عن نفسها، وعن تصرفاتها حتى في مالها الخاص الذي ترغب في استثماره ضمن مشروع ما، فهي تؤسس أيضاً لثقافة التمييز، وتخرج لنا أجيالاً لن ترى في المرأة إلا قاصراً تحتاج دائماً لإذن ولي أمرها، وإن كان ابنها، لأنها لا تستطيع أن تتخذ قراراتها، وتحتاج دائماً إلى من يحميها أو يضمنها. وبينما تساوي الشريعة الإسلامية بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، إلا أن مفهوم «القوامة» ما زال يستغل ويفسر من منطلق عادات وتقاليد وثقافة متشددة تنظر للمرأة بشك وعدم ثقة. وعندما يبرر منع المرأة من قيادة السيارة بالخوف عليها وتدليلها، وإذن السفر لحمايتها، مع أنها تحصل عليه من «المحرم» ولكن تسافر بمفردها، فكيف يمكن أن يبرر شرط إنشاء حضانة بموافقة «المحرم»؟ الغريب أنه أُعلن عن السماح بالرياضة المدرسية في المدارس الأهلية وفق «ضوابط واشتراطات» لم يكن من ضمنها موافقة «المحرم»، ألا يمكن أن تغير هذه الرياضة من شكل وجسم الفتاة بطريقة قد لا تعجبه؟ فلماذا لا تأخذ موافقة خطية منه أيضاً؟!