يعرف الأميران خالد الفيصل وفيصل بن خالد أن سوق (الثلاثاء) النسائي المفتوح للجنسين، قد يكون الاستثناء الوحيد بين كل الأسواق الذي لم تخرج منه قصة خادشة للذوق ولا ورقة رسمية واحدة تتحول لمعاملة لرأس دبوس يخترق جدار العفاف والفضيلة. قصة هذا السوق النسائي تستحق التأمل وخصوصاً لهؤلاء الذين لا يشاهدون في أمهاتنا وأخواتنا إلا مفتاحاً للخطأ والرذيلة. جاء خالد الفيصل إلى أبها قبل أربعين عاماً ويومها كانت المدينة تتصرف كبضع قرى متناثرة حول واديها، تتناوب مع (الشعاف) الأخرى أيام الأسبوع، وكان لها نصيب سوق الثلاثاء، يوم كان (اليوم) الواحد يكفي العائلة من السوق لما يقرب الشهر. ومع ضغط التنمية والتحديث، تلاشت فكرة اليوم الواحد من سوق الأسبوع وأصبح تجاره القدامى المعروفون من (الرجال) أسماء كبرى في عالم المال، ومع الزمن كشف هذا السوق عن (ركنه) المستضعف في عشرات النساء (الشابات) يومها إذ كانت (البسطة) لهن سوق حياة ولقمة عيش. وعلى ضفاف آخر قرى هذه المدينة بنى خالد الفيصل لهن (سوقاً) جمع في تصميمه ما بين البساطة والتراث والحداثة، ومضت الفكرة قبل عشرين عاماً بكل هدوء، يوم كان المجتمع بريئاً ونظيفاً ولا يعرف غزوات التشكيك باسم (الاحتساب) الذي يرى حتى في الأم المكافحة شبهة متحركة. ما يقرب من مئتي دكان، وللمفارقة (يبسط) في ثلثها رجال من أبناء هذه المدينة في تناغم يدعو للدهشة، وأكثر من هذا لا زال سوقاً نادراً بلا تستر، محافظاً على هويته المحلية الصرفة في البائع وفي البضاعة. سأكتفي منه بنموذجين: نموذج العمة (زاهية) التي دخلته كما تقول لي في سن الخامسة والعشرين. ومن تاريخ سوقها بنت بيتاً بسيطاً وعمارة أخرى بأربع شقق للإيجار، ومنه أيضاً درست ابنتيها وهما الآن معلمتان، وزوجت ولدها الأصغر وكان رفيق دربها في الدكان، ويعمل الآن بوظيفة متوسطة. جارتها في الدكان البعيد تكرر (حمدا لله) وهي تعد على أصابعها ثم تقول (إي والله يا ولدي إن حن حصلنا منه خير وسترنا وستر بيوتنا وما يأتيني منه أبرك من راتب ولدي وبنتي وكل (ذولا) اللي حولي مثلي وأحسن). مطلبهن المشترك أن يبقى السوق سعودياً للجنسين لأن (البنغال) بدؤوا الغزو تستراً من الأطراف وبين الطرفين حرب ضروس. خرجت من الباب الوحيد لهذا السوق وأنا أتخيل (غزوة) لا تغتال بالكلمات كل هذا الشرف واللغة والطهارة فحسب، بل رزقاً لعشرات البيوت المفتوحة، إذا فتحت الأم باب الدكان عرفت أنه السوق الذي نفد بجلده قبل أن نعرف هذا المسلسل.