لم يأتِ الأمير محمد نايف بن عبدالعزيز من خارج أسوار وزارة الداخلية، ليتولى حقيبتها، فوالده الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، أمضى نحو أربعة عقود في هذه الوزارة المهمة، ووزير الداخلية الذي قدم استقالته من منصبه قبل أسبوع، وهو الأمير أحمد بن عبدالعزيز أحد الرجال المهمين لأركان وزارة الداخلية، وله دور مهم خلال فترة مهامه التي امتدت أكثر من 30 عاماً، أما الوزير الجديد فهو أحد الذين تلقوا تدريبهم في كنف والده، وأمضى 13 عاماً في جهاز وزارة الداخلية، وله بصمات واضحة في الكثير من القضايا الأمنية المهمة، وجرأته في اتخاذ القرارات جعلت المتربصين من الإرهابيين يجعلونه هدفاً لإزاحته من طريقهم، وفي أكثر من محاولة فشلت خططهم وأهدافهم. وزير الداخلية السعودي ليس جديداً على الوزارة، ربما الفترة الماضية كانت تحركاته محدودة وفق الصلاحيات التي أسندت إليه، إنما الآن هناك شمولية ومجال أوسع لرؤية المشهد الأمني على مساحة الوطن. بالتأكيد لن تغفل عن الأمير محمد بن نايف المواضيع المهمة الموجودة في أدراج الوزارة ويحتاج إلى إعادة مناقشتها وطرحها للبحث عن حلول. فجهاز وزارة الداخلية هو القطاع الحكومي المهم الذي يرتبط بكل الإدارات والمؤسسات الحكومية، وأي خلل في مؤسسة خدمية سوف ينعكس على الأمن ويزيده أعباءً ومسؤولية، لهذا تعاون الجهات الحكومية الأخرى من أهم عوامل نجاح الأمن، وسوف أستعرض هنا أهم الملفات التي يتطلب أن تعود إلى طاولة الوزير لمناقشتها من جديد بما يخدم مصلحة أمن الوطن والمواطن. من الملفات المهمة التي تقلق الكثير من الأسر السعودية، موضوع أبناء السعوديات المتزوجات من الخارج، وعلى رغم أنه توجد تعليمات مشددة بمعاملتهم على أنهم سعوديون، إلا أن هذا الموضوع على أرض الواقع غير مفعل ولا ينفذ، كما أن إجراءات حصولهم على الجنسية بعد بلوغهم السن القانونية، الكثير منهم يواجهون مصيراً مجهولاً، لطول فترة الانتظار وتعطلها في دهاليز وزارة الداخلية، فيما تبقى أمنيات الأم السعودية أن تكون لها بطاقة تستطيع فيه ضم أبنائها، وهذا الموضوع يشكل مشكلة أمنية كبيرة من ناحية توظيفهم وتعليمهم وأيضاً يشكل خطورة على كيان الأسرة. أولى جهاز وزارة الداخلية اهتماماً كبيراً بموضوع زواج السعوديين من الأجانب، أو المولودين في الداخل والعكس كذلك، إنما الشروط التي وضعتها وزارة الداخلية فيها الكثير من التدخل في خصوصيات المواطنين، واختيار شريك حياتهم، ما دام ليس من بينهم من الفئات التي منعها النظام إلا باستثناء من المقام السامي، والعقوبات التي أوردها النظام فيها الكثير من القسوة تعد تدخلاً في حياة الناس واختياراتهم، وهناك الكثير من المعوقات، وفي معظم الأحيان يتم رفض الطلب مع أنها لمواطنين عاديين، هذا الموضوع يحتاج إلى إعادة فتح ملفه، والنظر إليه بعين أبويه، وليس كمسؤول، فالكثير من السعوديين، الذين تزوجوا في الخارج، وتركوا أبناءهم وعادوا، وبحسب جمعية «أواصر» التي ترعى أبناء السعوديين والسعوديات في الخارج، يزيد عددهم على ثلاثة آلاف، ومادام توجد معوقات وصعوبات، وأيضاً عدم انضباط في تطبيق الشروط، فهذا يعني أن معيار منح التراخيص لا يسير وفق ضوابط ما يحرم البعض، وربما يخلق سوقاً سوداء داخل الأجهزة الحكومية لإنجاز موضوع الترخيص والحصول على الموافقة. قال أحدهم مازحاً قبل سنوات، حينما انتخب الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو أول أميركي من أصول إفريقية وأب مسلم، يدخل البيت الأبيض، إنه لو كان في السعودية لكان في سيارة «الترحيل»، وهي إشارة إلى صعوبة الحصول على الجنسية السعودية، ملف الجنسية السعودية بقي حساساً وصعباً، ووضعت له الكثير من الشروط، لا أظن أنها تتناسب مع ما هو موجود على أرض الواقع. بيننا الكثير من الأسر الذين عاشوا بيننا ولم يعرفوا بلداً غيرها، البعض منهم وصل إلى الجد الثالث، ولا يزالون يعاملون على أنهم أجانب ومقيمون، هؤلاء شكلوا نسيجاً سكانياً واجتماعياً، وأبناؤهم ومدخراتهم كلها داخل هذه البلاد، موضوع منح الجنسية أو الحصول على الجنسية يجب تحليل العقد الكثيرة، وعلى رغم ما فيها تفاصيل كثيرة يستغرب البعض معايير منع ومنح الجنسية ما دامت غير مطبقة على الجميع، وفي معظم الأحيان تعتمد على «الواسطة». من الملفات الأخرى التي تشكل خطورة اجتماعية، ظاهرة وجود خمسة ملايين متخلف ومتسلل، هؤلاء يشكلون خطورة كبيرة، وواضح أن هناك عوامل عدة تساعد في استمرار هذه الظاهرة، ولا بد من تكاتف جهات عدة، وزارة الداخلية معنية بالتواصل مع جهات أخرى مثل وزارة العمل ووزارة الحج للحد من هذه الظاهرة، نقطة مهمة وهي أن البوابة الجنوبية للسعودية تشكل عبئاً أمنياً كبيراً فعدد المتسللين يومياً يتجاوز الألف، كما أنها تشكل نقطة خطر أمني لتسلل الأسلحة والهاربين من العدالة، الحقيقة هناك تساهل في توظيفهم وإسكانهم ومراقبتهم في الأسواق من جهات حكومية. الأمن الاجتماعي مطلب وزارة الداخلية، واستقرار الأمن مرتبط بالعدالة الاجتماعية، أتفق مع أن أمن الوطن فوق كل شيء، ولا أحد يزايد على حب هذا الوطن، ومن يحاول يدنسه بفكره الضال أو المتشدد، ومن يزرع بذور الحقد والكراهية بين أبنائه، ويقف عائقاً عن تنمية مجتمع وتطور بلد، ويعطل مسيرة البناء والنهضة، الجميع يقف له بالمرصاد لوقفه ومناصحته ومعاقبته حينما يخطئ. كما أقترح بالتزامن مع ذلك إنهاء ملفات المحتجزين الذين لم تثبت عليهم أي من التهم الموجهة إليهم في مختلف القضايا. بالتأكيد هناك ملفات عدة، الأمن الغذائي والاقتصادي والعمالي والمهني، وفتح أقسام نسائية في إدارات الشرطة، وتحسين مستوى أداء رجال الشرطة مع البلاغات والتعامل معها، وزيادة فتح كليات أمنية مع رغبة في تحويل البعض منها إلى جامعات وأكثر من جامعة أمنية، وتوحيد أرقام الطوارئ في رقم واحد، إعادة النظر في مهن عمد الأحياء وتطوير أدائهم. ودعواتي لوزير الداخلية بالنجاح في مهمته. * إعلامي وكاتب اقتصادي.