د.علي بن شويل القرني - الجزيرة السعودية ماذا يدور في الإنترنت؟ وتحديداً ماذا يدور في شبكة تويتر؟ قد نتفهم أن تطرح هذه الشبكة من خلال مستخدميها من أصحاب الحسابات الجماهيرية آراءهم نحو كل صغيرة وكبيرة.. قد نفهم ذلك.. وقد نفهم أن الكثير من أتباعهم يعلِّقون ويضيفون آراءهم ووجهات نظرهم إلى الآراء القائمة والمتداولة.. قد نفهم ذلك.. وهي ممارسات طبيعية نتوقعها من تويتر ومن فيسبوك والمنتديات والمدونات.. مهما كانت هذه الآراء، رغم أن البعض منها يتجاوز المألوف، ويصل إلى درجة اللاواقعية.. قد نتواصل مع هؤلاء بهذا النهج.. لكن أن يكون ذلك اختلاقاً لأحداث غير موجودة أصلاً على أرض الواقع، ويتم تداولها على أنها أمور صحيحة، وتحميل أفراد ومؤسسات تبعات مثل هذه الوقائع، والتشهير بهم على أساس أن هذه الأحداث صحيحة مائة في المائة، فهذا نوع من أنواع الجنون التويتري، ويشكِّل تحولاً نوعياً في أهداف تويتر بأن يكون حلقة تواصل بين الأشخاص لمعرفة ما يدور في محيط الشخص. إن اختلاق أحداث لم تحدث، وابتداع أوضاع لم تكن، والتفاعل معها على أساس أنها وقائع حدثت، هو ضرب من الجنون، ولربما لا يجد له المراقب غير أن هدف مثل هذه التحريفات والاختلاقات هو ضرب مؤسسات المجتمع، والتشويش على صورتها ومكانتها.. ونحن هنا نشير إلى أن مَنْ اختلق هذه الأحداث في الأساس يكون له أجندة خفية، يحاول من خلالها تمرير مواقف، أو التأثير في واقع معيَّن، أو إضعاف دور مؤسسات، أو الترويج لخط فكري معيَّن بطريقة غير أخلاقية.. والمشكلة أن اختلاق هذه الأحداث جاء على شكل سلسلة من الأحداث المختلقة، بمعني أن هناك سبق إصرار على افتعال مثل هذه الأحداث، وتصعيدها كقضايا رأي عام في المجتمع. واختلاق أحداث ثم تحريك شخصيات ومؤسسات لمتابعة تبعات مثل هذه الأحداث، وجعلهم يقفون على أبواب شخصيات ومؤسسات وإدارات، هو مسألة أخرى مهمة، تحتاج إلى مناقشة مجتمعية؛ فكأن شخصيات لها مكانتها ودورها ومسؤولياتها هي رهن تداول هامشي عن موضوع مختلَق في الأساس.. وتصبح هذه الشخصيات التي يحمل لها المجتمع كل تقدير واحترام مثار مسألة أنهم يتبعون سراب الافتعال وغبار الاختلاقات الموجهة.. ويظهرون على أنهم مجندون لخدمة عناصر غامضة، ربما لا تكون أساساً على أرض الوطن، وهدفها التشويش على الرأي العام وعلى المؤسسات وعلى المجتمع. والمشكلة الأخرى المتطورة من قضية الاختلاق هي أنه لا يتم الالتفات إلى صدقية المسؤولين الذين ينفون مثل هذه الأحداث جملة وتفصيلاً، حتى أن أصحاب العلاقة المباشرين الذين نفوا أي حدوث أو وقائع لم يتم تصديقهم، حتى لو شاهدناهم أو سمعناهم يتحدثون بأن ما قيل أو تم تداوله لم يكن صحيحاً أبداً.. وعلى الرغم من هذا تظل هناك محاولات لتكذيب الصحيح وتكريس الافتعال والاستمرار في التضليل.. وهذه مشكلة أخرى تعكس أهداف الفئات التي تقف وراء عمليات الاختلاق، والترويج لما هو غير صحيح وغير واقعي. يجب أن ندرك أن بعضاً من الأبرياء يقعون ضحية مثل هذه الترويجات الإعلامية عن طريق تويتر والمنتديات، وما يصاحبها من فبركة متعمدة واختلاق غير صحيح للوقائع.. وأصبح الفوتوشوب وغيره من البرامج الإخراجية والإنتاجية أداة الاختلاق الأولى وطريقة بناء الشواهد المزيفة التي تدعم وتحاول أن تقنع العامة والخاصة بمثل هذه الأقاويل والتزييفات. ولكن في الوقت نفسه يعلم الجميع أن هناك جهات مؤسسية تعمل من الخارج، خاصة من مناطق النزاعات في المنطقة، وبأسماء ولهجات سعودية، لترويج فكر تشويشي على المواقف الثابتة في المملكة، ومحاولة تضليل الرأي العام، والطعن في نزاهة مؤسسات وطنية.. وليس خافياً أن المملكة مستهدَفة من خلال وسائل الإعلام الجديد؛ حيث يمكن أن يختلق شخص حدثاً في الرياض وهو على بُعد ألف وخمسمائة كيلو أو ألفي كيلو، وتكون مهمته المنتظمة والمدفوعة الأجر هي الاستمرار في تضليل الرأي العام السعودي.. وهناك أحداث وشواهد للتدليل على مثل هذا التوجُّه السياسي لهذه الفئات من خارج المملكة. ولا شك أن هذه الفئات الخارجية تجد ضالتها في تصديق عناصر من الداخل، إما لبراءتها، أو لأهداف معينة؛ ما يجعل مثل هذه الاختلاقات تصل إلى تمرير من هؤلاء إلى شرائح أخرى، وهكذا تتوسع الدائرة إلى جمهور أكبر وأكبر، إلى أن تصل إلى شرائح المجتمع كافة.. وهذا انتصار ونجاح كبير تحققهما الفئات الخارجية التي تستهدف مكانة المملكة ووحدتها وعلاقاتها الداخلية. ونحن هنا ننادي إلى بناء وعي مجتمعي بأن ليس كل ما تكتبه تغريدة أو يبثه موقع صحيحاً، ويجب توخي الحذر، ولا يمكن أن نهب لتصديق كل من كتب أو غرد دون تحكيم العقل أو على الأقل افتراض حُسن النوايا لدى هؤلاء الأشخاص والمؤسسات.. ويتحمل هؤلاء أصحاب الحسابات الجماهيرية مسؤولية أخلاقية على توجيه الرأي العام لديها بأهمية التثبت والسؤال.. ويأتي لاحقاً إعطاء فرصة لمعرفة الرأي الآخر للقضية من أصحاب الموضوع المباشرين، كما يجب إدراك أن هناك أصواتاً خارجية، هدفها الانغماس في قضايا محلية بحتة بهدف زعزعة الأمن والاستقرار ووحدة والتفاف المواطنين بعضهم حول بعض وحول قيادتهم.