الأطفال الذين سُرقت ونهبت حياتهم هم ليسوا إلا أرواحا بريئة لم تمذهب وتسيس وتبرمج بعد. ما تعرض له الطفل المعاصر من انتهاكات طالت روحه وعقله ووجوده فاقت ما مر به الأطفال في العصور المظلمة، لطالما لم تلتفت الشعوب بكثير من الاعتبار الكبير والإنساني للطفل، ومارس الكبار جبروتهم في جعل الطفل "بيدق" حروبهم الصغيرة والكبيرة في حروب قذرة طائفية وسياسية، حيث يذبح الأطفال ليخوف بهم الكبار، ومثل ذلك في الأسرة.. فالطفل هو الضحية الأولى للحرب الثنائية بين الأب والأم حيث يعذب الطفل لتؤدب الأم. الشواهد كلها تقول إن الأطفال فقدوا الكثير من سلامهم وأمانهم وحياتهم نتيجة لكل ما يقوم به الكبار من قتل وعنف وانتهاك للطفولة بدم بارد، وإذ نقول الكبار فهذا يعني الكبار من الأفراد والمجتمعات على حد سواء. الأطفال الذين يُساقون كل يوم إلى الموت المعنوي والموت الحقيقي يجعل من الحديث عن الطفولة حديثا ذا شجون.. إن الأطفال يعانون أوضاعا صعبة على مستويات كثيرة في الوقت الذي تشهد فيه حقوق الإنسان تدهورا ملحوظا فيما يخص الطفل تحديدا، فكل المواثيق والقوانين الدولية والمحلية ما زالت قاصرة عن التطبيق، فهي إما أن تكون حبرا على ورق وإما هي تدين وتستنكر بعد أن يكون قضي الأمر وذهب الأطفال ضحية، وما يجدي البكاء على اللبن المسكوب! الطفل اليوم ليس الأوفر حظًا كما قد يُعتقد، فبقدر ما وفرت له الحياة العصرية الكثير من وسائل الإبداع والتكنولوجيا الحديثة إلا أنه ليس سعيدا بما يكفي، فلديه "آي باد"، "الإكس بوكس"، "البي إس بي".. إلخ. ولكنه يختنق وتضيق به المساحة التي تقلصت وضاقت في حياته حتى أصبحت تختصر في مساحة شاشة ضوئية يحيا من خلالها.. يركض، يصرخ، يفرح.. وتم اختزال عالمه الحقيقي إلى مساحة صغيرة كفيلة بحجب روحه من التحليق. هو هنا أيضا مستلب اختطفت منه تفاصيل حياته الطبيعية، هذا بالنسبة للطفل الذي يعيش في مدن آمنة، أما أولئك الأطفال الذين يعيشون في ظل صراعات عرقية وسياسية فهم الأسوأ حظا عبر التاريخ، ولنا في أطفال سورية، واليمن، والعراق مثال ملموس. ليس تقييما ولكنه الواقع أن المنظمات الحقوقية فشلت بما يكفي في بناء مجتمع العدالة والمساواة وسيادة القانون وصون كرامة الإنسان وحماية الحريات العامة ونشر ثقافتها ومراقبة أوضاعها فيما يخص البالغين فكيف هو الحال مع الطفل! هناك ما زال قائما العنف الصامت ضد الطفل، عمالة الأطفال، التحرش بالأطفال، زواج القاصرات، الأطفال الذين يموتون من سوء المعاملة وسوء التغذية، كل هذه المتوالية هي جزء من حياة الطفل المعاصر إنما تحت إطار العنف المستتر. أحاول أن أكون متفائلة ولكن الحقيقة أن الأطفال يدفعون ثمنا باهظا جدا تحت نظر وسمع العالم الحقوقي.