تكمن خطورة الفتاوى السياسية في صفتها الثورية للوصول عبر الصبغة الدينية للأهداف الحزبية - السياسية - الضيقة. فيما الدين - الأديان - لم تأت لاختيار المرشحين أو تكفير الناس طبقاً للمزاج الشخصي. أنطلق هنا من نماذج من التجربة المصرية وتداخل رجال الدين معها: فتوى تصف من يصوت لحزب محدد ب”الخائن لوطنه”!، أخرى حرمت التصويت في الانتخابات لمن وصفتهم ب”العلمانيين والليبراليين والأقباط”، معتبرة أن من يصوت لصالحهم آثم، وخائن للأمانة، يقابلها فتوى تدعو إلى الانضمام لحزب الحرية والعدالة - الإخوان - لأنه صورة من صور العبادة والتقرب إلى الله!. فيما من أصدر فتاوى تحريم الديمقراطية، يطالب المفتي ذاته بضرورة ووجوب إعطاء الصوت الانتخابي لشخص بعينه..! بل إن هناك من اعتبر أن التصويت لحزب “صدقة جارية” لمئات السنين، وعدم التصويت سيئة جارية.. لنفس مئات السنين أيضا! قيادي بجماعة الإخوان قال للأنصار إن من لا يذهب للتصويت في الانتخابات كمن تولى يوم الزحف. ومن الطرائف فتوى إخوانية بعدم جواز زواج الأخ الإخواني من غير الإخوانيات، معتبراً أن ذلك خطأ في مسار التربية ويؤخر النصر، وأن زواج الإخواني بالإخوانية يؤدي إلى إنجاب إخواني بالميراث!. إلا أن التنافس الانتخابي في مصر ضاق اليوم، وأصبح محدداً في مرشحين، محمد مرسي عن حزب الإخوان، والفريق محمد شفيق، لذا نراقب مساراً جديداً للفتوى السياسية بشكل أكثر شراسة، بدأت تخرج من أطراف داخل مصر وخارجها، هناك فتاوى سعودية - خليجية تدعم مرشح الإخوان وتحرم التصويت لشفيق!. وآخر الفتاوى قول أحدهم أول أمس: (إن اختيار من ينتمي إلى الإخوان المسلمين، أو العلمانيين انحراف عن الدين وخيانة لعباد الله..)! هكذا فجأة وبعد أن كانت الديمقراطية خروجاً عن الشرع وتقليداً للغرب، وفعلاً محرماً، أصبحت فتاوى رجالات الدين تتنافس بشكل طريف وعنيف أيضاً، لدعم هذا المرشح أو ذاك الحزب بحسب قرب الفكر والمظهر، بل ودخلنا في مرحلة فتاوى سياسية عابرة للحدود الجغرافية، لا تكتفي بالتزكية لمرشحها الإسلامي المفضل، بل تجاوز إلى الهجوم على المنافس الخصم، وباسم الدين جهارا نهارا. استغلال سياسي وفاضح للدين والعاطفة في أبعد أشكال الاستغفال والمنفعة السياسية، فالمعركة وصلت إلى الفرصة التاريخية المنتظرة لتحقيق النصر المزعوم بعد سنوات من القطيعة مع الدولة المدنية، حيث لم يكن في عرفها أبداً المؤسسات الرسمية والحكومية، وهي ترفض حتى مظاهرها البرتوكولية. لكن كل القناعات، انقلبت رأساً على عقب في مكيافيلية دينية مغلفة، للوصول للغاية - الرئاسة والسلطة - مهما كانت الوسيلة. سلوك يكشف ببساطة أن الفتاوى اللاحقة قادرة على نسف كل الوعود والعهود بالمساواة والعدل، وطبعا بغطاء ومبرر شرعي!. إلا أن هذه الفتاوى تفقد مفعولها المدمر الآن، في مقابل شعوب منهكة تنتظر دوران عجلة الاقتصاد وتثبيت الأمن وتطوير الخدمات والعمل، وهو ما لا يمكن لصندوق تبرعات حزبي أو فتوى مضللة أن تحققه، حيث التجربة الإنسانية تفضح الفتاوى السياسية.