يعترف علماء الدين بشيوع ظاهرة الإلحاد في عالمنا العربي، وبتزايد الميول الجنسية الشاذة باعتراف علماء الاجتماع والنفس والإصلاح الأسري، وهو ما تجب قراءته من المتخصصين، بكل تأنٍّ ونقاشٍ جادٍ، لإيضاح الأسباب أقلها، دع عنك أساليب المعالجة التي تتداخل مسؤوليتها مع أكثر من جهة، باعتقادي أن الأسرة هي أول الجهات وأهم محدد أصلي للتقويم، فالسقطات التي نُفاجَأ بها من حين لآخر وتحمل بتصريحها أو حتى بتبطينها تطاولاً على المقدسات. هذه الأقوال والسلوكيات تكاد تكون غريبة على ثقافة مجتمعاتنا، فمفهوم المقدس بالذات له في ذاكرتنا من الهيبة والمكانة، وهو ما يجعله بمعزل عن تذبذبات المجتمع واتجاهاته المتضاربة، وعلى رغم هذا، نجد التطاول على هذه المساحة المقدسة، وقد سجل له أخيراً أكثر من واقعة، حتى أن المعنيّين بأمور الدين والمجتمع حاروا في إنشاء رؤى تحليلية شاملة، فإذا على الدين، فنحن من أكثر شعوب الأرض قاطبةً في الدعوة إليه والتشديد على التمسّك بكل ذي صلة به، وكنا نظن أن الدين سيهذّب أخلاقنا وينقّحها، فإذا بنا نتردّى أخلاقياً ونتدهور دينياً. قد تكون النتائج السلبية لعملية التحديث وفتح النوافذ على العالم بأرضية غير معبّدة هي المسؤولة عن تشويش الفكر، غير تضاعف المعاناة الإنسانية بتناقض سافِر ومستفز مع ارتفاع مستويات الثراء والرفاهية، غير تآكل البُنى الأسرية التقليدية واختلاف أشكال التفكير الانفتاحي والسلوك الذاتي الحر، وقد يكون غياب الرقابة العائلية الواعية وغياب تجذّر الرموز والقدوة في حياة الفرد، وقد يكون التزمّت في الإحاطة الدينية والتركيز على «الديكور» الخارجي، وقد تكون جميع ما ذكر وما لم يذكر، إنما من المؤكد أننا أمام ظاهرة تستحق الدراسة والحد من كسب مؤيدين لها، بالحديث عنها بصراحة، والقيام بما يلزم كما يلزم، بعيداً عن النفاق الذي تكررت صوره، وبعيداً عن خطاب متشنج توَّهنا أكثر مما دلَّنا، فالإرشاد النظري المحفوظ سلفاً أثقل ما يكون على نفس المرء، ولن يجد من ينصت له ما لم يلحقه تطبيق عملي، وتخطيط تنظيمي، وأعتقد بأن الوقت قد حان للتفكير في فلسفة دينية في زمننا الصعب تحقق التوازن بين الوحي والعقل والحس والواقع، وكفانا مثالية ليست من صفاتنا. المشهد الكوني يعاني من أزمة حداثة وفقدان الأساس، ومن تحولات سريعة لا يصل إليها استيعاب المرء وتأقلمه، وإذا لم نسهم في تخفيف الضغوط على الفرد المسلم فسيلجأ هو إلى التخفّف منها على طريقته التي قد تبلغ حد التطرف في كل شيء، فأيهما أفضل تضييق يقابله انفلات وتسيّب والنتيجة انفجار كما يأتي، أم تقريب المسافات بين الاحتياج الإنساني والمطلوب الديني والعصا من الوسط..!! أمّا قصة تصميم الأصوليين على توجيه الاتهامات مرة للتفكير الليبرالي وأخرى للتغريبي وثالثة للعلماني ورابعة وخامسة...، هذا الاحتجاج الأصولي بحجة الدين، وهو في الأصل لمنافع ذات أبعاد اجتماعية وسياسية، لن يوصلنا إلاّ إلى درجات أخرى من الهبوط، فالتدني الأخلاقي والديني الذي نعيشه هو مسؤولية الجميع بلا استثناء، ولن يجدي نفعاً أن نتهم غيرنا كي نبرئ حالنا، فكلنا مسافرون على الرحلة نفسها، وقد يسمح في أصول التربية ببعض الأمور التي لو اقتطعت وأخرجت من سياقها لاعتُبرت غير مألوفة، وربما غير مقبولة، ومع ذلك سمح بها تربوياً وأحياناً دينياً سبيلاً لهدف أسمَى وأبعدَ في تجنّب عواقب ستكون أشد خطراً وبشاعة لو لم تتم استراتيجية المقايضة تلك، أمّا المزايدات المشبعة بالرياء بالذود عن الدين وحماية الأخلاق، فإليكم سوابق الجهر بالإلحاد والشذوذ وتجاوز المقدسات، وكل تدخّل مصطنع ينافي الفطرة هذه نتيجته وأكثر، ونحن لم نقصر أبداً في معاندة فطرتنا، فيا سبحان الله حتى الفطرة قلبنا حالها..!!