بندر بن عبد العزيز الضبعان - الاقتصادية السعودية خلال الأسبوع الماضي، شهد العالم العربي ثلاث ظواهر سلوكية متخلفة: رشق أمين عام الأممالمتحدة بالأحذية في فلسطين، وأحداث الشغب الكروي في مصر، واشتباك بالأيدي في قناة الجزيرة في قطر. ففي غزة، اعترض الأهالي موكب الأمين العام للأمم المتحدة ""بان كي مون"" ورشقوه بالأحذية والحجارة والكراسي. وفي بورسعيد، اندلعت أحداث شغب رياضي بعد مباراة فريقي الأهلي والمصري أسفرت عن مقتل 73 فردًا. أما في الدوحة، فقد اشتبك ضيفا برنامج ""الاتجاه المعاكس"" المؤيد للنظام السوري جوزيف أبي فاضل مع المعارض محيي الدين اللاذقاني. فماذا بقي من ماء وجهنا الحنطي.. يا عرب؟ وهل منكم من يكترث بصورتنا أمام العالم؟ كنت أنظر إلى أحداث ""غزة - بورسعيد - الدوحة"" بعينيّ الأسى، وقلب يعتصره الواقع العربي، فكل وسائل الإعلام في العالم قد تداولتها، وبعض مقدمي البرامج التلفزيونية الأجنبية تندروا علينا، وهذا ما يضع خبراء ومدربي تنمية الموارد البشرية في حرج، بل يحرجنا نحن ""الكبار"" أمام أطفالنا الذين نقضي بينهم أوقاتًا طويلة نغرس في نفوسهم قيم التعامل والتهذيب، ونحاول المثول أمامهم بصورة القدوة المسؤول عن تصرفاته. كنت أنظر واثقًا من أن تلك المشاهد المزعجة لن تغيب عن شماتة بعض الناس ومراكز الدراسات التابعة لهم، ذلك أنها تكرس النظرة ""النمطية"" نفسها المأخوذة عن العرب من أنهم أمة ""متخلفة"" لا تحترم الآخر، ولا تستحق الحرية أو الديمقراطية التي يهتفون بها في ميادينهم! من جانب آخر، يبدو أن الفرد العربي إما بسبب تكوينه النفسي أو بيئته الاجتماعية لا يستوعب أن الله - عز وجل - قد خلق بني آدم أضدادًا مختلفين وجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، وأن سر الوجود يكمن في مواصلة ""التعارف"" والبحث عن الخصائص المشتركة بيننا. ومن ثَمَّ فالتنوع ظاهرة صحية، ولا نتوقع أو نفترض أن يكون البشر نسخًا طبق الأصل. غير أن العرب على الرغم من فصول ""الربيع"" واستخدامهم وسائل ""التواصل"" الاجتماعي لا يزالون يعانون مشكلة ""التعصب"" التي تُعزى بعض أسبابها إلى الجهل والانغلاق وانعدام مهارات التواصل. فالتعصب إن أردنا تعريفه فهو شعور داخلي يعتري الفرد ويمنحه الإحساس بالتفوق ودونية غيره، أو بعبارة أخرى يجعله يظن أنه على حق والآخرون على باطل. وسواء كان هذا التعصب سياسيًّا أو دينيًّا أو قبليًّا أو فكريًّا أو رياضيًّا، فهو لا يختلف عن بعضه بعضًا، إذ ينطلق من مبدأ تعزيز الأنا وإقصاء الآخر ورفض كل قيم التعايش والتسامح. لكن الباعث على الاطمئنان، ما يؤكده المفكرون ومنهم الدكتور عبد الكريم بكار من أن التعصب ليس وراثيًّا، وإنما مكتسب من البيئة المحيطة، مما يعني أن الإنسان كما يتعلم التعصب يمكنه أن يتعلم التسامح. ومن هنا، أسست السعودية عام 2003م مركزًا يُعنى بنشر ثقافة التسامح ونبذ التعصب بجميع أنواعه. حيث سعى ""مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني"" إلى عقد تسعة لقاءات وطنية منذ إنشائه، جمع فيها ""الإخوة المختلفين"" تحت قبة واحدة لمناقشة قضايا متعددة تشترك في محور نبذ التعصب واحترام الآخر. ولذلك ندعو إلى توسيع قاعدة المستفيدين من المركز وتعميم التجربة في الدول العربية كافة. أما إذا عدنا إلى استعراض أسباب التعصب، نجد أن أبرزها انعدام مهارات التواصل، كما ألحظه من واقع عملي في الموارد البشرية. فالكثير من المرشحين على الرغم من مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العملية فقدوا فرصًا وظيفية لافتقارهم إلى مهارات التواصل. فقد كشفت دراسة أجرتها جامعة بتسبرج الأمريكية مع مسؤولي التوظيف في عدد من الشركات أن مهارات التواصل- بما فيها الكتابة والتحاور بطريقة فعالة- تعد أهم سمات النجاح الوظيفي للمديرين ولا يمكن الاستهانة بها. فالتواصل الفعال يهدف إلى التحقق من وصول رسالة المرسل– دون كراسي أو لكمات!- إلى المتلقي بصورة صحيحة وواضحة. وتنشأ مشكلات التواصل غالبًا من الفجوة بين ما يقصده المرسل وما يفهمه المتلقي. فالموظف أو المدير الذي يعجز عن التعبير عن أفكاره أو مشكلات العمل بصورة مكتوبة أو منطوقة لا يمكن أن ينافس غيره في بيئة العمل، بل لا يمكنه أن يتقدم في مساره الوظيفي؛ لذا نجد أن أكثر من نصف البرامج التدريبية في السوق تلك التي تركز على تنمية مهارات التواصل ومناقشة القواعد الذهبية لعملية التواصل، ومنها: • الإصغاء إلى المتحدث وإمهاله إلى أن يفرغ من حديثه ومن ثم الرد عليه (توصف بعض النقاشات العربية ب""حوار طرشان""؛ لأن لا أحد يسمع الآخر!). • الحفاظ على ""حضارية"" الحوار والبعد عن الزعيق والتشنج (ثمة علاقة بين ""الزعيق"" والتعليم، فكلما تدنى المستوى التعليمي للمتحاورين ارتفعت أصواتهم. انظر كيف يتحدث العمال في الشوارع والورش!). • عدم تسفيه الآخر أو الانتقاص منه أو التقليل من شأن آرائه أو التهكم عليها (العربي يصف خصمه دائمًا بأنه ""لا يفهم""، فهو وحده الذي يفهم الأمور!). • عدم ""شخصنة"" النقاش، وتجنب الحوار القائم على عقلية ""أنا وأنت""، والاعتماد على عقلية ""نحن والمشكلة"" (الكثير من النقاشات العربية تنقلب إلى خلافات تنتهي بالشتم والتخوين!). أتذكر قبل سنوات أن خبيرة أمريكية في مهارات التواصل شبهت شعوب العالم عندما يتحدثون بممارستهم للألعاب الرياضية. فوصفت اليابانيين عند الحوار بلاعبي ""البولينج""، كُلٌّ يلعب حتى ينتهي دوره ثم يفسح المجال لمن بعده. ومرت هذه المتخصصة على معظم الشعوب حتى وصلت في التشبيه إلى العرب الذين وصفتهم بأنهم يشبهون لاعبي ""الركبي"" عندما يتحاورون، كل يحاول أن ينتزع الكرة من الآخر بالقوة!!