هناك هواية غريبة ابتدعها بعض السعوديين، وهي هواية التصنيف إلى إسلامي وليبرالي، ليس من قِبل العلماء بل من قِبل العامة، ويبدو لي جلياً أن هذه الهواية تحتل المرتبة الأولى في قائمة الهوايات الأسهل تعلماً وتطبيقاً، كما أن لها خصوصية أخلاقية ودينية تبيح الشتم والتسفيه بعد التصنيف دون حرج. لمجتمعنا نمط معيّن صنعه في أذهان العوام خطابٌ معيّن، صدح في فترة معينة، لا داعي لتحديدها ولكن المهم أنه عمَّ حتى صار الخارج عنه – عند الناس – خارجاً عن التديّن بل خارجاً عن العقل أحياناً، حسب المزاج الذي يخضعك لتصنيفه، وبما أني ممن يحبون استخدام عقولهم فقد اعتدت الخروج عن النمط وسماع التصنيف طوال الوقت، وهو أمر لا يزعجني بقدر ما يزعجني هذا التحكم الظالم بالمعايير وغرس (التألّي على الله) في قلوب الناس. أنا إسلامي وإن انتقدت منهج محمد العريفي في مهاجمة الخصوم والتنكيل بهم، فالذات «العريفية» ليست منزّهة عن النقد ولا قداسة لها، وانتقادي للعريفي أو غيره لا يخرجني من دائرة المتدينين المنتمين إلى أهل السنة والجماعة ولا يجعلني شيعياً أو ليبرالياً. أنا إسلامي وإن انتقدت منهج هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الأمر أو ذاك، ووصفت نظامها بأنه غير دقيق أحياناً، ووصفت بعض المحسوبين عليها بأنهم «جاهلون بالقانون»، أو انتقدت بعض تصرفاتها وبعض صلاحياتها، أو دعوت إلى إعادة النظر في نظامها وفي هيكلتها الإدارية وفي الزي الذي يلبسه رجالها وغير ذلك، هذا كله لا يجعلني من الحاقدين على الدين ومن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. أنا إسلامي وإن أقررتُ بأن تضمين كتاب الشيخ عائض القرني أجزاء من كتاب سلوى العضيدان هو خطأ – بغض النظر هل حصل منه شخصياً أم من فريق الإعداد أم من (الجني) الشهير – فأنا أرفض هذا التصرف صراحةً ولا أحاول أن (أتخندق) في صف الشيخ وأدافع عن خطأٍ ظاهر صدر به حكم قضائي اعترف به الشيخ واعتذرعلناً، ولن أشتم المرأة المحصنة في عرضها ثم أحاول أن أفبرك الموضوع لأظهرها بأنها هي التي ضمنت كتابها أجزاء من كتاب الشيخ عائض، مع أنها في الحقيقة قد ذكرت كتب الشيخ التي نقلت منها في قائمة مراجعها، إنني حين أقف هذا الموقف لا يعني أني حاقد على أهل الدين ناكر لفضل علماء المسلمين. أنا إسلامي وإن أغضبني التدليس الذي جاء في كلمات صالح الشيحي، حين قال في لحظة غضبٍ إنه رأى خزياً وعاراً، ثم لما حوصر بالسؤال وأتيحت له فرصة التوضيح كابر وقال لم أقصد كشف الشعر وحده بل هناك أمورلا أريد أن أقولها لأني أريد الستر على أصحابها، فكان ستره المزعوم زيادة في ظنون الآثمين، فأنا بتبييني لخطئه في التعبير واتهامه بالتترس بالدين لا أكون منتمياً إلى الخط الليبرالي ولا مدافعاً عن كشف الشعر أو الزنا والفجور وشرب الخمور. أنا إسلامي وإن امتدحت كلاماً لتركي الحمد أو غازي القصيبي، أو أيَّدتُ منال الشريف في قيادة المرأة للسيارة أو وافقت نادين البدير في مطالبتها بالاختلاط، أو حتى لو تعجبت من فتوى ترى بيع المرأة للرجل محرما شرعاً، بينما لم تر بيع الرجل للمرأة في كل زمان ومكان محرماً أيضاً، بل حتى لو قلت إنني أعمل بقول هذا المفتي ولا أعمل بقول ذاك، فهذا صحيح شرعاً وليس خارجاً عن الإسلام. أنا إسلامي سُنِّيٌّ لستُ ليبرالياً ولا شيعياً ولا معتزلياً ولا أشعرياً ولا ماتريدياً، لكن هناك من صار يرمي كلَّ من يخالفه بحجارة الدين، لأنه يعلم أنه الصوت الأبعد مدىً والأعلى صدىً، وهناك جهل مُزعج بالخلافات الفقهية وكيفية التعامل مع المخالفين، وصار الجهلة – حتى الأطفال – يتطاولون على بعض المجتهدين من العلماء الأجلاء سواء في بلادنا أو في البلدان المجاورة ويجعلون من خالف ما تربوا عليه ليبرالياً أو رافضياً أو زنديقاً. علينا أن نحمد ربنا إنه هو ربنا، وإن الحساب والعذاب بيده لا بيد أحد من خلقه، وهي نعمة عظيمة تتجلى عند رؤية المتشنجين الذين احتكروا الدين في أكمامهم فصاروا لا يوزعونه على الناس إلا بمكاييلهم، وإننا نقول لهم: نحن إسلاميون رغم أنوفكم.