خلف الحربي - عكاظ السعودية بدأ يوم الخميس الماضي تأنيث المحلات النسائية، أخيرا.. أصبح بإمكان المرأة السعودية أن تشتري ملابسها الداخلية من امرأة مثلها!، بعد عام واحد سوف نكتشف أننا أضعنا أكثر من عشر سنوات في مناقشة قضية بسيطة وأن الكرة الأرضية لم تتوقف عن الدوران بعد بدء العمل بهذا القرار، لقد عطلت قرارات رسمية ودارت معارك فكرية طاحنة وتناثرت الاتهامات من كل حدب وصوب من أجل السماح للمرأة بأن تبيع حمالة صدر لامرأة مثلها واحتجنا إلى ما يقارب سبع سنوات كي يتحول هذا الأمر البسيط إلى واقع، وستعلمون قريبا أننا أضعنا كل هذا الوقت الثمين في مسألة كان يجب أن تحدث منذ زمن بعيد.. فهل يلومنا أحد إذا تأخرنا في معالجة القضايا الشائكة؟!. سأقولها وأجري على الله، ثمة أطراف قلقة خائفة من المجهول تبتز المجتمع عاطفيا لتغرقه في نقاشات عقيمة حول قضايا صغيرة فينشغل عن قضاياه المصيرية وتستهلك طاقته وتشل قدرته على المضي أماما حتى يقتله البطء وتصبح سرعته في التقدم سنتيمترا واحدا كل عشر سنوات، والمصيبة أن الغالبية العظمى من أبناء المجتمع يعرفون الحقيقة ولكنهم يستسلمون للضغط العاطفي، فأي عاقل يعرف أن بيع المرأة الملابس الداخلية لامرأة مثلها أفضل من قيام رجل وافد ببيع هذه السلعة للنساء ومناقشتهن حول المقاسات السرية، ولكن الأطراف القلقة (أو المقلقة!) تحول مثل هذا الأمر البسيط إلى معركة جانبية!. هناك مثال آخر للعبة التعطيل وإشغال المجتمع عن قضاياه الرئيسية، فقبل أيام قال أمين مدينة الرياض إنه حان الوقت لافتتاح دور العرض السينمائي وصرح وزير الإعلام أن وزارة الإعلام مستعدة لمراقبة محتوى الأفلام السينمائية في حال السماح بعرضها، وأي عاقل يعرف أن عرض الأفلام بعد مراقبتها أفضل من ترك الشباب يشاهدونها عبر الفضائيات المفتوحة أو تحميلها عن طريق الإنترنت حيث لا توجد أي رقابة، كما أن توجه الشباب لدور السينما يخفف من الكبت الحاد الذي يجثم على صدورهم بعد أن أصبحت كل الأماكن العامة مغلقة أمامهم تحت شعار (للعائلات فقط)، ولكن هذه القضية البسيطة تحتاج إلى مليون مقال ومليار معركة على شبكة الإنترنت كي نتأكد أننا أضعنا الوقت في قضية صغيرة جدا، وحين نسمح بدور السينما بعد عشر سنوات سوف نكتشف أن المسألة قضية أقل من عادية وأنه في الوقت الذي كنا نتبادل فيه الاتهامات القاسية اخترع الأمريكان واليابانيون تقنية جديدة يمكن من خلالها مشاهدة الأفلام السينمائية عن طريق تمرير بطاقة ممغنطة على جدار غرفتك!. ضاعت سنوات طويلة في مناقشة قضايا من نوع (تعليم البنات، التصوير الفوتوغرافي، جوال أبو كاميرا، الصحون اللاقطة، بطاقة المرأة، تأمين السيارات) واكتشفنا بعد كل هذه السنوات الضائعة أننا توقفنا طويلا عند اللا شيء!، وسوف نستمر على هذا الحال طويلا قوم يأكلنا الفساد وتسحقنا البيروقراطية تتقدم الأمم من حولنا ونحن في مكاننا واقفون لأن هناك من يبتز المجتمع عاطفيا ويستفز كوامن الشك في نفوس البسطاء كي لا نتقدم إلى الأمام، وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين: قسم مذعور يخشى كل جديد ويرى أن المنع أسهل من بذل الجهد في الاستكشاف، وقسم يرى أن إشغال الناس في الخطوة الصغيرة يلهيهم عن الخطوات الكبيرة وهكذا يحتاج المجتمع عشر سنوات كي يتقدم سنتيمترا واحدا إلى الأمام!.