محمد الصوياني - الرياض السعودية "إسرائيل" دولة علمانية حداثية متقدمة، فجامعاتها ضمن الجامعات الأولى على مستوى العالم.. تصنع الطائرات بطيار وبدون طيار، والصواريخ.. والصواريخ المضادة للصواريخ والأقمار الصناعية والأسلحة النووية. لا عجب أن يدعمها الغرب لذلك، لكن المفارقة، أنه يدعمها بشكل مفضوح في جانبها المعادي لمبادىء الغرب نفسه.. يدعمها كدولة دينية عنصرية تجمع اليهود من كل بقاع الأرض لتشرد بهم الفلسطينيين إلى منافي الأرض وقبورها، وتحول المساجد لمراقص وإصطبلات.. يدعمها رغم أن رؤساءها ورؤساء وزرائها رجال عصابات ومجرمو حرب!. كيف نجحت "إسرائيل" في التأليف بين ثقافتي المتدين والعلماني، بينما فشلت الأنظمة العربية المنهارة.. فشلت اقتصادياً حتى غرقت بالديون، وعلميا فترتيب جامعاتها ما بين الألفين والثلاثة على مستوى العالم؟ وصناعيا رغم أن بعضها بدأ في صناعة السيارات قبل كوريا، وبدأ تقنية الفضاء قبل الهند.. فشلت حتى عربيا، ففي حين يتجاوز متوسط مرتب المعلم في دول الخليج (15000 ريال) يبدأ مرتب المعلم في إحدى تلك الدول التنويرية ب(150 ريالاً) أي أقل بمائة مرة. الإشكالية هنا تكمن في أن العلماني العربي مثقفا وسياسيا انشغل طوال القرن الماضي في الثرثرة نقداً للإسلام، واختراع المصطلحات الفارغة لتشويهه، بينما انشغل العلماني اليهودي بمد يده لأخيه المتدين كي يبنيان وطنا يختلفان فيه لمصلحة الوطن والدين، ويتنافسان لتطويع الغرب والشرق لا استجدائه، ويتطلع كل طيف إلى أجمل ما عند الآخر، فشيدا وطناً حددت التوراة مساحته وحدوده وشعبه وديانته. ما زلت أتعجب من أبرز علمانيي مصر لما رأى الإسلاميين في بلاده يهرعون قبل الدولة لمساعدة المنكوبين من شعبه، ومد يد العون للفقراء وعلاجهم وغير ذلك من اللطف والإنسانية.. لم يشكرهم (جابر عصفور آخر وزراء حسني مبارك للثقافة)، بل قال: (دول بيضحكوا عالجماهير) ترى لو ضحك هو ورئيسه وأمثاله على الجماهير بهذا الأسلوب الإنساني، هل سيلعنهم الشعب؟ لو وفروا لهم المساكن بدلا من حشرهم في مدن الصفيح، هل سيضطرونهم إلى الاختباء في مجاري السيول كالقذافي؟ لو لم يستفزوا شعبهم في عقيدتهم ودينهم فهل سيلجئونهم للفرار كابن علي؟ ومع هذا كله فلدى العلمانيين العرب فرصة للعودة شريطة أن يتخلصوا من لغتهم الخشبية المثقلة بالمصطلحات الفارغة التي جعلتهم أضحوكة العالم، فالعالم العربي لم يعد بحاجة إلى إنشائيين ومنظرين بقدر حاجته إلى منجزين نزيهين يوفرون المساكن والوظائف ويشيدون المصانع ويحترمون الإنسان.. سيعودون بشرط أن يدركوا حجمهم لينطلقوا من ذلك الحجم.. بدلاً من تلك الرؤوس الفارغة التي تستبدل هراء العربي الذي ما إن يقول: (إذا بلغ الفطام لنا صبي .. تخر له الجبابر ساجدين) حتى يهرول للتسول على بلاط كسرى... بهراء الشاعر العلماني الذي يهدد الإسرائيلي بقوله: (أنا عربي.. إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي)، ثم يجوع، لكن بدلاً من أكل لحم مغتصبه يهرول ليتسول عضوية في حزب شيوعي يهودي إسرائيلي هو نفسه مغتصب أرضه ومشرد شعبه.