لا توجد مدينة غربية - تقريبًا - تتحمل هذه المناظر القادمة من ثقافات العالم، حيث الحجاب الإسلامي، ونقل لعادات وتقاليد النقاب والثوب وحتى عباءة - الصوف - للرجل، والعباءة القاتمة السواد للنساء، مثل لندن يعيشون حياتهم بحرية وحركة دون إهانة أو مضايقة، الأمر ذاته للباس الهندوسي - والسيخ الهنود، وللرداء أو الصليب المسيحي ولقلنسوة اليهودي. في التاكسي والقطار أو المترو، والباص، تلمح هذه المظاهر مع كثافة للسلوك العربي المعبر عن نفسه بشكل لا تخطيه عين في المدينة الآمنة المختلطة. ثم الجانب الآخر الحصري من الاستعراض الشكلي المبالغ فيه وساعات «التسكع» الطويلة، وحيث التنافس والاستعراض الخليجي الفج أحيانًا - وأنت تشاهد سيارة تحمل أرقام لوحاتهم الأصلية سعودية وقطرية وإمارتية. لكن لنعد إلى الصيغة الأعمق التي تقدمها بريطانيا، سمة لندن حاضرة طوال العام، وجديرة ملاحظتها صيفًا أن تعلمنا التسامح وفتح أفقنا باتجاه الحياة والآخر، الاعتراف والتخلص من عقدنا وعنصريتنا تجاه الآخر. كما التوقف عن النظر إلى أنفسنا بخصوصية وتميز، تجعلنا غافلين عن متابعة تفاصيل لعلها تضيف إلى رصيد رؤيتنا للعالم بما يليق خارج صندوق أفكارنا الحجري التقليدي. ماذا يعني مثلاً: أن تسافر بحث عن الحرية، وتحاربها في دارك؟. أن ترى الآخرين من أديان، مذاهب، ثقافات مختلفة ومتفاوتة، قد تتعرف لهم، وقد تلتقيهم، أو تلوح لهم في مقهى وتشكر سيدًا من عرق آخر، أو سيدة من ملة أخرى لخدمة قدمت لك مبتسمًا ممتنًا. نشهد احترام المرأة في قمته، لا يجرؤ من كان على تجاوز حدود الأدب معها، وتترك أهلك يستمتعون بحرية الصيف وتاكسي المدينة العريقة، والمشي الحر لساعات طويلة، لكن فجأة كل شيء يتوقف لحظة دخول الطائرة العائدة بك أجواء البلاد؟. بما فيها عقلك ومداركك التي توسعت (مؤقتًا) نحو طريقة نظرها للحياة والأشياء. لكنك تعود بعد رحلة الصيف، ولا تلمح أجناسهم، أو تهتم أن تشاهد غيرك، كم مرة تصاحب أجنبيا أو تتحدث له في مدينتك أو حارتك أو مقهاك أو في تسوقك؟!. تصيبك حالة ابتهاج وأنت تشاهد السعوديين يمتطون فرح الحياة وبساطته في لندن أو دبي، لكن تجد نفسك محتارًا مستغربًا ومتسائلاً وقلقًا، وهم يتخلون عن الحياة وملامحها وفرحها في وطنهم، قبل أن تصدمك العبارة الشهيرة: «خل الديرة للعمل والفلوس»!، لتبحث عن الوطن في ظلها، لكن الوطن يبحث عن لحظات فرحة أيضًا، وأفق أوسع للحياة وللتسامح. أين يكمن الخلل فينا إذن؟ هل هي الأنانية؟، العنصرية؟، تواضع الثقافة؟، أم خصوصيتنا المشوهة؟. حقيقة لست متأكدًا تمامًا، وأترك محاولة الإجابة معكم..