الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع * الرياض السعودية قبل أن أبدأ حديثي أحب أن أذكر معنى ناقوط القربة، فالقربة واعتبارها ثلاجة ما قبل ستين عاماً، وناقوطها تحتها بما لا يجمع ماءً ولا تنشف أرضه، هذا التعبير قد يجهله كثير من شبابنا وهم المعنيون بهذه الإطلالة، فالقربة هي وسيلة تبريد الماء للشرب ونضيحها يتجمع في وسطها الظاهر وهي معلقة فتتساقط قطرات النضح على الأرض تحتها فمكان تساقط القطرات مدة تعليقها رطب ولكنه غير جامع للماء لقلته فصار هذا مثلاً لمن رزقه كفافا لا يجتمع عنده شيء ولكنه لا يظمأ ولا يجوع ولا يعرى. فرزقه ناقوط قربة. كنتُ في جلسة مع أستاذ جيلنا ورمز الاعتدال في الكسب والإنفاق والتوجيه بذلك هو معالي الشيخ صالح الحصين فقد كان الحديث حول وجود بطالة في بلادنا، وما يقال بأن الجامعات تفيض على البلاد من الشباب والشابات العدد الكثير من خريجيها وفرص العمل غير متواجدة إلى آخر ما يقال حول ذلك من انبعاث الاشكالات من حول ذلك فقال - حفظه الله - الواقع أن هذا نتيجة قصور همم، وتدني طموح، فبلادنا لاتزال من الجانب الاقتصادي بلاد بكر لأهل العزائم والطموحات فيها مجالات رحبة. ففيها الآن ما لا يقل عن ثمانية ملايين كلهم من غيرها، ويعملون فيها من الأعمال ما يقابله مئات الآلاف من الملايين يسحبونها من البلاد إلى بلدانهم كل شهر، وأضاف - حفظه الله - بأن حصر النظر على أن الفرص المتاحة للعمل هي العمل في الدولة هذا قصور نظرٍ وفهم. فالغالب أن النجاح المادي لا يكون في رجال الدولة. أما النجاح الحقيقي المبني على الطموح والأخذ باستراتيجية التدرج في الحياة والرضا بالقليل، والعمل الدائب حتى يأتي الكثير هذا النجاح يكمن في العمل الحر وفيما يسمى بالقطاع الخاص. واستعرض معاليه مجموعة ممن يعرفهم من أقاربه لم يدخلوا أعمال الدولة وإنما انطلقوا إلى ما انطلق إليه عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: أين السوق؟ فكانوا اليوم من أهل المال والأعمال والملايين، وذكر مجموعة من رجال المال والأعمال البارزين في بلادنا أمثال الرواجح والسباعا وآل سعيدان وآل موسى وآل سليمان ومجموعة من أمثالهم في المنطقتين الغربية والشرقية كلهم الآن يشار إليهم بالبنان، وقد بدأوا حياتهم العملية من الصفر سواء منهم من بدأ حياته في مؤسسات مالية أو خدمة في بيوت تجارية أو في مؤسسات صناعية كشركة أرامكو حيث تخرج من مدرستها العملية كبار رجال أعمال صارت بأيديهم مقاولات أعمالها. وقال - حفظه الله - إن آفة شبابنا ضعف هممهم واستعجالهم المتمكن، وقصور أنظارهم عن بلوغ الأهداف.. وقد يكون لتربيتهم على الشعور بمؤثرات مشاعرهم أثر في عجزهم عن الترقي في مدارج الحياة. كما أن لنظرتهم نحو من نجح في حياته أثراً في فشلهم. وخلاصة القول ان الاعتقاد بأن العمل في الدولة هو طريق النجاح في الحياة غير صحيح إذ إن العمل في الدولة ناقوط قربة لا يجمع ماء ولا ينشف مكان التنقيط. أما من أراد ماءً فليحفر الأرض حتى ينبع الماء. وما ذكره معاليه بأنه يعرف مجموعة من أقاربه تركوا أعمال الدولة وذهبوا إلى ما ذهب إليه عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - فأنا كذلك أعرف مجموعة من أقاربي تركوا أعمال الدولة وذهبوا إلى السوق وحصلوا على ما لا يستطيع موظف الدولة أن يحصل عليه مهما كان راتبه ومرتبته. وأعرف واحداً من جماعتي كان فراشاً في احدى ادارات السلك العسكري ولكنه كان يعمل في التجارة خارج عمله وفي اجازاته ويذكر لي بأن جميع ضباط هذه الادارة بمن فيهم رئيسها الفريق كلهم مدينون له بديون له عليهم وينادونه بالعم إبراهيم. فنصيحتي لشبابنا المتبرم من البطالة والمنتظر لوظيفة الدولة أن يمسح الحنَّاء من يديه وأن ينطلق إلى السوق سواء أكان السوق سوق بيع وشراء، أم كان السوق سوق خدمة أو صناعة فالنجاح لا يمكن أبداً أن يبدأ من درجات سُلمية عليا وإنما يبدأ من أول درجة في السلم. فعلى الله توكلوا وإلى آفاق أرزاقه انطلقوا والله معكم ولن يتركم أعمالكم.