كانت حركة الاحتجاج التي بدأت في تونس كالسلسلة التي إذا تحركت حلقة منها تحركت سائر الحلقات ، ذلك لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة وتعيش ظروفا متشابهة ، عاشت هذه الشعوب خيبة أمل شديدة في الأنظمة التي حكمتها ، أنظمة مستبدة ظالمة ينخر فيها الفساد الإداري والمالي ، أنظمة ضعيفة خانعة أمام الغرب ومستعلية ومتكبرة على الشعوب ، والذي يتابع ما يجري على الساحة العربية لابد أنه لاحظ كيف بدأ نظام القذافي يستجدي التواصل مع أمريكا ويقول أنه نظام ديمقراطي وهو الذي كان قبل قليل يسب أمريكا ويهاجم الغرب ويتحدث عن حملة صليبية ، وكذلك النظام السوري الذي أرسل رسالة مباشرة حين قال أحد رموزه : إن أمن إسرائيل من أمن سورية ويرسل إلى أمريكا أنه مستعد للتفاوض مع "إسرائيل" . كانت خيبة أمل هذه الشعوب أيضا في المؤسسة الدينية الرسمية – مع الأسف الشديد – فهذه الدول الفاشلة لابد أن تعين رجالا مثلها ينصاعون لأوامرها ، وكانت خيبة الأمل في المفتين الرسميين ، إنهم ألعوبة بيد النظام ، عدا عن ضعفهم العلمي وانهزاميتهم ، وزاد الأمر سوءا أن تمحور حول هذه الدولة الفاشلة دجالون باسم الدين ، مشايخ سوء يبررون لها أعمالها . ومما ساعد على نجاح هذه الثورات أو لنقل بداية النجاح أن حركات الإصلاح الديني – على قلة ما بيدها من إمكانات – وصلت إلى كل منزل من خلال القنوات الفضائية ، وعندما يتكلم العلماء الصالحون عن العودة إلى الأصل فإنما يعني ذلك العودة إلى الأعمال الصالحة والاهتمام بالناس ومشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية . وإذا كانت حركة ( مارتن لوثر ) الإصلاحية عند نصارى أوروبا قد استفادت من تدفق الحضارة الإسلامية من خلال الأندلس والجزء الجنوبي من أوروبا فإن المسلمين في العصر الحديث قد استفادوا من التقدم التكنولوجي الغربي واستطاع الشباب التخاطب والتجمع وتحديد الأهداف من خلال الأنترنت والهواتف المحمولة . توقف تحرك هذه السلسلة عند دول أخرى وكأن الديكتاتور العربي يختلف عن أمثاله في العالم ، فهو متمسك بالسلطة وأدى ذلك إلى قتل الآلاف ، ولو أدى ذلك إلى هدم المدن على رؤوس أصحابها ، ولو أدى ذلك إلى قتل الأطفال والنساء وخراب البلاد وإفقارها . هذه الديكتاتورية لها نماذج في تاريخ العرب قبل الإسلام ، فمن أخبارهم أن بني أسد ملكوا عليهم ملكا من كندة ، وعندما قام بعضهم بالعصيان قرر هذا الملك أن يقتلهم بالعصا ولا يقتلهم بالسيف إذلالا لهم وأنهم لا يستحقون السيف ، ولذلك سماهم الناس ( عبيد العصا ) وكان من صلف وائل بن ربيعة أن لا يستقي أحد من الماء إلا بإذنه ولا يتكلم أحد في مجلسه . قال عالم الاجتماع ابن خلدون عن العرب : " إنهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة ، فقلما تجتمع أهواؤهم ، فإذا كان الدين الوازع لهم من أنفسهم ذهب خلق الكبر والمنافسة فيهم " (1 ) سيسقط هؤلاء الطغاة رغم عنادهم ورغم المعاناة الشديدة التي تتحملها هذه الشعوب ، ولكن هذا سيكون بداية المعركة ، لأن المعركة الحقيقية ستكون مع الحاقدين على الإسلام من بعض اليساريين والعلمانيين ، هؤلاء الذين يقولون إنهم مع الشعب وثورته ، ولكننا رأيناهم بعد الإطاحة برموز الفساد في تونس ومصر كشروا عن أنيابهم وبدأوا بشن الهجوم على المتدينين من سلفيين وغيرهم ، لأن دخول هؤلاء في السياسة سيؤدي إلى المشاكل وخراب البلد بنظر هؤلاء الحاقدين . يتكلم بعض العلمانيين عن التعددية والديمقراطية ولكنهم في الواقع العملي لا يطبقون هذه الشعارات ولا يطيقون رؤية المتدينين في الحياة السياسية وكأن المتدينين ليسوا مواطنين لهم الحق في المشاركة ، وكأنهم آتون من كوكب آخر ، والصحيح أن لهم الحق الأول لأنهم هم الوطنيون فعلا ، وهم الحريصون على سلامة البلد . ( 2 ) هل اقتنع الفلسطينيون أن تحرير فلسطين لا يتم إلا إذا تحررت البلاد العربية من الحكم الفاسد المستبد ، وأن الحرية للشعوب العربية هي التي تأتي بالجيش القوي والفرد القوي ، وهي التي تساعد الدعوة الإسلامية ، لأنه لا يحرر فلسطين إلا الايمان والايمان وحده . اكتشف أهل مخيم اليرموك في دمشق أن النظام السوري وبعض الفصائل التابعة له يتلاعبون بالقضية لمصالحهم الخاصة ويضحون بدماء الشباب لمآرب خاصة حين أرسلوهم ليقتلوا على الحدود ، بينما دبابات الجيش تتجه شمالا نحو المدن والقرى لضرب الشعب الأعزل الذي يطالب بالحرية ( 3 ) يمن علينا السيد أردغان أنه سوف لا يغلق الحدود أمام السوريين الفارين من جحيم القتل وهدم المدن ، وأكثر هؤلاء الفارين من النساء والأطفال ونقول للسيد أردغان هذا واجب إسلامي وإنساني ، وإلا هل كنت تفكر في إغلاق الحدود ؟ ومازال وزير خارجية تركيا يلف ويدور عند الحديث عن سورية ، وما يزال يأمل في الإصلاح ولا يتكلم عن المجازر التي ترتكب في حق الشعب السوري ولا يدينها ، بينما نرى بعض رؤساء الدول الغربية يتحدثون عن الوحشية التي يتعامل معها النظام مع المحتجين .