حسن بن سالم *نقلا عن "الحياة" الطبعة السعودية. "المنال سينال يامنال"! بهذه العبارة الجميلة عبّرت مذيعة نشرات الأخبار بقناة الرأي الكويتية الزميلة سميرة عبدالله في تعليق لها في "تويتر" على ما حصل مع منال الشريف، منال تلك الشابة السعودية التي طالبت بحق طبيعي من حقها ممارسته والحصول عليه في أي مكان في العالم إلا في بلدها منال أرادت بقيادتها السيارة نيل حريتها والانعتاق من كل صور السلب والمنع لحريتها لمجرد كونها امرأة، منال حينما سئمت من أن تبقى طول عمرها في مجتمعها إنسانة محرومة الحقوق، ومواطنة ناقصة الكرامة، تعيش بلا إرادة واختيار في تقرير مصيرها وتحديد خياراتها، كان الإيقاف هو جزاؤها لمجرد أنها لم ترض بحياة التبعية العمياء، ولم تقبل بوصاية المجتمع عليها! منال ضربت مثلاً رائعاً في تحقيق أسمى وأرقي معاني الشعور بالكرامة الإنسانية، ليس لبنات جنسها فحسب، بل ولرجال مجتمعنا كافة، ولكن حماة الاستعباد للمرأة وأصحاب النظرة الدونية والانتقاصية لها لم يرق لهم أن تأتي تلك اللحظة التي تنفض فيها المرأة السعودية ما تراكم عليها عبر عقود من مظاهر القهر والإذلال! ولم يهنأ لهم أن يأتي ذلك اليوم الذي تستطيع فيه منال وغيرها إثبات وجودها واستقلاليتها في المجتمع! فلم يدعهم هول الموقف وصدمة الحدث عليهم حتى استخدموا الوسائل والأساليب الملتوية كافة لتشويه سمعة الشابة الشريفة منال الشريف! حطمت منال أسطورة بعض الدعاة وكشفت حقيقة الازدواجية لديهم بين ما يصدحون به على آذان الناس من خطب ودروس على المنابر وفي حلق المساجد وعلى شاشات التلفاز في الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة والتمسك بالقيم الدينية، وبين ما يصدر منهم من أقوال وأفعال تتناقض مع تلك القيم التي يأمرون الناس بها، حتى استحلّ بعض أولئك الدعاة ومن يحملون منارة العلم الشرعي القذف والتشهير وتزوير الحقائق والتشويه والكذب على منال القابعة بين الجدران الأربعة! واستطاعت منال أن تثبت للملأ أجمع ما تمثيل وتجسيد بعض أولئك من خلال ما صدر عن بعضهم من أقوال وأفعال للمقولة الشهيرة: «لا تصدق المظاهر أبداً؛ فإن الذين يبدو عليهم فائض من الإيمان غالباً ما يكونون قد أفرغوا أنفسهم من الداخل ليعرضوا كل إيمانهم في الواجهة». اتهم ومنذ الوهلة الأولى رئيس لجنة التكافل الأسري الشيخ غازي الشمري منال الشريف في تصريحه لصحيفتي «الوطن واليوم» بإثارتها للفتن والفوضى وادعى في زيارته لها في السجن أنها كانت في انهيار نفسي وبكاء نتيجة ما آل إليه أمرها من جراء قيادتها السيارة في محافظة الخبر مبدياً أمنيته بالحكم بجلدها في سوق نسائي حتى تكون عظة وعبرة لغيرها. ونشرت صحيفة اليوم بيانا صادراً من إمارة المنطقة الشرقية يوضح ويكشف الحقائق، إذ أشار البيان إلى « ما صدر من تصريح الشيخ غازي الشمري بخصوص الفتاة السعودية التي قامت بقيادة السيارة وقيامه بزيارتها في مكان توقيفها فإن إمارة المنطقة الشرقية تعلن للجميع أن الشيخ الشمري لم يكلف بالحديث باسم الإمارة في هذا الأمر ولا بزيارتها ولا علاقة له بموضوعها من قريب أو بعيد. وأن عمله يقتصر على لجنة التكافل الأسري، وبناء عليه توضح الإمارة هذا الأمر». ولكن هؤلاء حينما لم يُجدِ مسلك الكذب وتزوير الحقائق معهم، لجؤوا إلى الاتهام والتشهير والقذف بالفسق والنفاق، وهو أمر مستنكر صدوره من أي مسلم كان فكيف بمن يتدثر بلباس العلم الشرعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! وذهب ثالثهم إلى استعداء الدولة عليها عبر محاولة تخوينها واتهامها بالمؤامرات وزعزعة أمن البلد. بل بلغت الدناءة به توجيه سؤال في مداخلة الأخت نجلاء الحريري بقوله لها: «حينما قدت سيارتك هل واجهة تحرش من أحد»؟ فأجابت: «لا ولله الحمد الناس من حولي محترمون جداً». وحينها لم يقبل الشيخ هذه الإجابة، وعلق ساخراً مستهزئاً: «لأنك من القواعد من النساء»! وهذا الرد استهجنه الكثيرون لحظة صدوره وسماعه، ولكنني أظن أن هذا الرد أو التعليق غير مستغرب أو مستنكر على من يرى انتقاصاً وامتهاناً لجنس ومكانة المرأة، بل وانتقاصاً لمجتمعه الذي يعيش فيه، وكأن الأصل لديه في مجتمعنا السعودي المعروف بمحافظته هو الرذيلة والفحشاء، وأما السلامة فما هي إلا أمر طارئ عليه! وعلى هؤلاء أن يدركوا أن مواقفهم المتطرفة والمتشددة باختلاف أنواعها لن تزيد منال ولن تزيد المرأة السعودية إلا إصراراً وعزيمة وقوة على نيل واكتساب حقوقها، والأهم كما قلنا في مطلع المقال أن «المنال ستناله حتما منال والآلاف من أمثال منال»؛ شئتم ذلك أم أبيتم.