بدأتْ فرنسا أمس في تطبيق قانون أقره برلمانها يقضي بمنع النقاب والبرقع واللثام والقناع. وهذا القانون سيطبق على المسلمات اللاتي اخترن أن يتخمّرن نقاباً بدلاً من غطاء الشعر. ولم تجد بعض الحملات المضادة لهذا الحظر تسمية لهذا القانون سوى أنه حرب صليبية ضد الإسلام. سمعت أحد رؤساء المنظمات الإسلامية المقيم في فرنسا يتحدث عبر إذاعة مونتي كارلو قائلاً: رغم أننا لا نعترف بأن النقاب هو فرض إسلامي، بل إن الخمار هو غطاء الشعر فقط، إلا أننا نرفض هذا القرار، لأنه يخالف مبدأ حرية التعبير عن المعتقد، هذا غير تصريح شيخ الأزهر السابق، والذي قال إن النقاب عادة وليس عبادة. لكن مصرياً يعيش في فرنسا لا يتصل بالأزهر ليسأل شيخه، بل يختار أن يتصل بشيخ سلفي في قناة سعودية ليجيبه الشيخ: بأن لا داعي لخروج المرأة للشارع، عليها الجلوس في المنزل، فحفظ دينها ألزم. رغم أن النقاب هو موقف من خمار المرأة لا تشترك فيه معظم المذاهب الإسلامية، وأن القرار الفرنسي يهدف إلى منع التمييز الديني حماية لمبادئه العلمانية وليس قمع حرية المسلمين، إلا أنه بدلاً من شرح مثل هذه التفسيرات الميسرة عن الدين الإسلامي والتي من شأنها أن تقود إلى مواقف معتدلة تعمل على تهدئة المسلمين، وتحرص على تقديم صورة الإسلام المعتدل وليس المتشدد، إلا أن بعض القيادات الإسلامية داخل فرنسا وخارجها يصرّ على تهييج الشارع الإسلامي، وتعبئته ضد هذا القرار بحجة أن هذا القانون حرب على الإسلام، وهذا كله يصبّ في عمليات تجهيل الناس وشحنهم بكراهية استهلاكية، في حروب فكرية وعنصرية أفرغت العقل العربي المسلم وأخرجته من طريق العقل والإبداع إلى ذهنية القطيع والتبعية. شخصياً لست مع منع الناس من ممارساتهم وتعبيراتهم الدينية، (كل الأديان، وكل الطوائف)، لكنني ضد حركات التمييز المتطرفة ضد الآخر بحجة الدين في المجال العام والحقوق، وضد التمييز داخل الثقافات. أنا لست قلقة على حريات المسلمات في فرنسا، لأن لديهم قانوناً وبرلماناً يحتكمون إليه، لكنني قلقة على ما يمكن أن تفرزه هذه الأزمات المفتعلة في الذهنية، من ضمور وتهالك في فهم العالم والاندماج معه. رجل أعمال فرنسي وزوجته أميركية كاثوليكية عرضَا بيتاً يملكانه للبيع في مزاد - قد يتحول مشروعاً تطوعياً خيرياً - لتسديد الغرامات المفروضة على المنقبات، كما أن المنقبات يستطعن التخلص من الغرامة (150 يورو) بحضور محاضرات عن الاندماج الثقافي وأصول المواطنة، أو يدفع المتبرع عنهن كل غرامة في كل مرة، ويخرجن حتى تتعب الشرطة الفرنسية كما فعلت النساء في إيران حين فرضت الخمار قسراً على النساء بعد ثورة الخميني. تستطيع حركات الدفاع عن الحريات في فرنسا أن تعبّر عن رأي المسلمات المنقبات، لكن الذي لا نستطيعه حقاً هو أن نجرّ مثل هذه القضية ونناقشها بصدق بيننا. هل نحن حقاً نؤمن بذلك العذر الذي نلوم عليه فرنسا ونحاربها من أجله، وهو عذر الحريات؟ حريات المعتقد والتعبير؟ هل نحن ندافع حقاً عن حقوق الإنسان ونحميها في عقولنا على الأقل قبل أن نقول في تشريعاتنا؟ أعرف أن هذا الرأي سيغضب كثيرين، وهذا بالضبط ما أريد القبض عليه، كيف يمكن أن نحارب قرار دولة بحجة الدفاع عن حرية التعبير في حين نحارب في بلادنا رأياً أو تطبيقاً لموقف فقهي مختلف عليه في المذاهب الإسلامية، ونهدد أصحابه بالويل والثبور؟! هل تعرفون لماذا؟ لأننا مع الحرية التي تسير باتجاهنا فقط.