ليس هناك امتحان يمكن أن يمر به أي مجتمع ، أصعب من امتحان الفتنة الطائفية أو المذهبية . الفتنة الطائفية والمذهبية وفضلا عن كونها تؤدي إلى انقسام المجتمعات على نفسها مما يجعلها غير مؤهلة للتصدي لأي عدوان خارجي ، فإنها تؤدي إلى إسكات صوت العقل وإلى خفوت نبرة التعقل وإلى غياب أي اثر للعقلانية . وهذا هو أخطر ما يمكن أن يواجهه مجتمع بشري ما . كلمة العقل في الفصحى تعني الحبل الذي يتم ربطه في جيد الدابة ليتحكم في حركتها وليحدد خط سيرها تلافيا للانحراف الذي لا بد وأن يقود إلى ورود المهالك . ووقوع الفتنة الطائفية والمذهبية يتجاوز في نتائجه سلوك سبل الخطر ، لأنه ينتج وبشكل حتمي ، عن قرار يتخذه اللاشعور الجمعي بتدمير الذات . الفتنة الطائفية والمذهبية هي حالة من الجنون الجماعي المدفوع بمجموعة لا يمكن حصرها ، من مشاعر الحقد والكراهية والرغبة في العدوان . وهي مشاعر يتم تجييشها عن طريق أعداء ذلك المجتمع وأعداء الإنسانية ، حتى تختلط بالمسلمات العقلية نفسها . ولعل هذا هو السبب وراء ما نشاهده في الإعلام ، من حوارات لا تمت إلى لغة الحوار أو إلى منطقه بصلة ، لأنها تقوم على تكفير الآخر وتسفيه آرائه والاستهتار بمعتقداته وتصيد نواقصه وأخطائه .. مع العلم أنه لا يوجد طرف لا يعاني من مواطن ضعف يمكن للطرف الآخر أن يتصيدها . الفتنة الطائفية والمذهبية هي نبت خبيث يحيا على ثماره مجموعة من المستفيدين والانتهازيين الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا . إنها وسيلة للتكسب ، وكل من يخوض فيها هو من أولئك الذين اتخذوا منها طريقا للارتزاق وسبيلا لجمع الثروات . أما المخططون لها فهم أعداء الأوطان الذين يهدفون إلى زعزعة الاستقرار الداخلي وضرب السلم الأهلي في مقتل ، تمهيدا لتقديم تلك البلاد إلى العدو الخارجي على طبق من ذهب . إن مناخ الكراهية الذي تنتجه الفتنة الطائفية والمذهبية ، لا بد وأن يؤدي عاجلا أو آجلا ، إلى اندلاع أعمال عنف يمكن أن تؤدي إلى وقوع حرب مدمرة . وفي حروب كهذه لن يكون هناك رابح ، لأن الجميع سيخسرون . حذار من دعاة الفتنة .