بالأمس وفي اللحظة التي كنت أقرأ فيها مقاطع من كتاب الباحث الإسلامي نواف القديمي"المحافظون والإصلاحيون"، كنت أستمع إلى مداخلة هاتفية على إحدى القنوات الفضائية لعالم الدين اللبناني علي الأمين يتحدث فيها بكل حرقة عن خطر إشعال حروب طائفية في العالم الإسلامي، وينتقد بوضوح محاولة بعض القوى السياسية الدينية في العراق ولبنان وإيران، إلباس القضية السياسية الموجودة في البحرين حاليا لباسا دينيا طائفيا لخدمة أجندة سياسية واضحة، بل إن الأمين كشف تناقض مواقف هذه القوى (الدينية/ السياسية) حيث إن بعض علماء الدين في العراق حرموا المظاهرات والخروج على حكومتهم، وفي ذات الوقت يشجعون بعض أهل البحرين على الخروج على حكومتهم، بل ويدعونهم إلى إشاعة الفوضى تحت شعار "التحرر" ..!!. إذن ما علاقة كتاب القديمي بما ذكره الأمين ؟ العلاقة هي أنني في أثناء البحث عن ردود الأفعال تجاه حديث علي الأمين وجدت الرجل الذي طالما نادى بنبذ التطرف الطائفي من أي طرف، ويحذر دائما من توظيفه سياسيا حفاظا على وحدة الأمة الإسلامية، يواجه حربا ضروسا من قبل المغالين من معظم الطوائف الإسلامية، فعلى الرغم من أنه مرجع ديني "شيعي" معتدل ، فهو يواجه شتائم وتشكيكا سواء من غلاة مذهبه أو حتى من غلاة المذاهب الأخرى ، وهذه هي النتيجة التي وصل لها وحذر منها القديمي، حيث يرى في كتابه السابق الذكر، أن عالم الدين من أي طائفة إسلامية الذي يتبنى نهجا وسيطا، لابد أن يكون مستعدا لمواجهة تيار عريض من المغالين، لأنه و بحسب رؤية القديمي أصبح للغلو "مشروعية" لدى فئات عريضة في المجتمعات الإسلامية، وهذا ما يحاول استغلاله أعداء الأمة العربية والإسلامية (من داخل الأمة وخارجها) حاليا في تسعير نار الطائفية التي حين تنتشر فلن تبقي أحدا. وفي الكتاب يذكر القديمي نماذج محلية كثيرة مثل الشيخ سلمان العودة الذين تبنوا خطا وسطيا إلى حد كبير، ونادوا بتذويب بعض الخلافات الفقهية بين الطوائف الإسلامية، من أجل المصلحة العليا، ولذلك نالوا هجوما وربما تفسيقا من فئات المغالين، والمفارقة أن القديمي يكشف عن تردد بعض من تحدث معهم من الدعاة وطلبة العلم في الكشف عن بعض آرائهم تجاه قضايا فقهية واجتماعية واقتصادية مثار جدل "خوفا من هجوم المغالين عليهم" ..!! وفي ظل هذه الظروف المشحونة طائفيا أعتقد أن مثل هذه النماذج المعتدلة في خطر . خطر المغالين والمكفرين الذين لن يتورعوا في الاستهداف الشخصي لهم ، ولذا أعتقد أنه على الجميع سواء الجهات الرسمية أو الشعبية في العالم الإسلامي بعمومه دعم وحماية صاحب أي فكر أو دعوة للوحدة والاعتدال ، فلو خسرتهم الأمة ، فستخسر آخر أصوات "الدعوة بالتي هي أحسن" ،وعندما تخسر هؤلاء ستكون مسرحا للقتل والدمار الذاتي.