صالح محمد الجاسر- الاقتصادية السعودية رجال الأعمال ثلاثة أصناف، صنف يمتلك من الثروات ما الله به عليم، لكن لا يعرفه أحد في الداخل، وهو يعتقد أن ثروته أمرٌ يخصه، والمجتمع له رب يحميه وينفق عليه، وصنف هو إلى الظاهرة الصوتية أقرب، يعرفه الناس بكثرة تصريحاته، وظهوره عبر وسائل الإعلام، والمزايدة على كل قضية، ليظهر للناس أنه رجل الخير المحب لبلده، وهو إذا تبرع ملأ الأرض ضجيجا، فيكسب من تبرعه دعاية مجانية لا يحصل عليها لو أنفق عشرة أضعاف تبرعه، هذا الصنف يجد متعة كبيرة في التبرع للخارج، ويهمه ما تكتبه عنه الصحافة الأجنبية، لا ما يعبر عنه أبناء الوطن من مشاعر التقدير والعرفان، وصنف ثالث لا تسمع له صوتا إلا في مجالات الخير، سمعته تسبقه أينما ذهب، يبذل في السر أضعاف ما يبذله في العلن، لا يُعقد مجلس خير وتبرع إلا وجدته حاضرا وباذلا، لا يكاد كثيرٌ من الناس يعرف له رسما، يرى أن لبلده ومجتمعه عليه حقا، ولا يمكن إيفاء هذا الحق، إلا عبر أعمالٍ توفر فرص عمل، وتفتح بيوتا، وتسهم في تطوير. الصنف الأول منه أناس كثيرون لا نعرفهم، إلا حين تذكر أسماءهم ضمن قوائم أغنياء العالم، أو عبر ما تنشره الصحف الخارجية عنهم، وهؤلاء لا تهمنا تجارتهم، والصنف الثاني، يعرفهم الجميع، ولا تكاد صورهم تغيب عن صفحات الصحف، ومشروعاتهم خيرها لهم، وللدول المصدرة للعمالة، أما الصنف الثالث، فهم من يعرفون لله فضلا، وللمجتمع حقا، وغالبية ما يقيمونه من مشروعات، إما توفر غذاء، أو تصنع منتجا، ولهم حضور فاعل ومشرف في المجتمع، عبر ما يقومون به من مشروعات خيرية. من هؤلاء الخيرين الذين ملأت سمعتهم الطيبة أرجاء البلاد الشيخ صالح بن عبد العزيز الراجحي، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم السبت الماضي، فاسمه في كل مكان، وأعمال الخير التي تكفل بها يلمسها الجميع، وهي لا تفرق بين منطقة وأخرى، بل شملت أرجاء الوطن، وكانت سبباً من أسباب توفيق الله له بأن بسط الله له الرزق وبارك فيه. في المقابلة التي أجرتها صحيفة «الجزيرة» مع الشيخ صالح الراجحي قبل ثلاثين عاماً وأعادت نشرها يوم الأحد الماضي، تحدث عن بداياته البسيطة وما عاناه في سبيل بناء تجارته، وكان من أبرز ما تضمنه الحوار إشارته إلى عديد من المبادئ التي التزم بها في حياته، ومنها تركيزه على الاستثمار في بلده، فهو يرفض توظيف الأموال السعودية في الخارج، ويرى أن ثروته ملك لوطنه، الذي يرى أنه لولاه لم تكن هذه الثروة. صالح الراجحي لم يقصر أعمال البر على حياته، بل أوقف جزءاً كبيراً من ثروته وأملاكه لأعمال الخير، وهو أنموذج لعديد من رجال الأعمال العصاميين الذين تتردد أسماؤهم في المجتمع، ليس عبر ما يحيطون به أنفسهم من هالة إعلامية، وإنما لأنهم بنوا ثرواتهم، عبر سنين من التعب والمعاناة ، فعرفوا حق الله وحق المجتمع عليهم. رحم الله الشيخ صالح الراجحي رحمة واسعة، وجعل ما قدمه من أعمال خير في ميزان حسناته، وعزاؤنا لأبنائه وأسرته.