مشاري بن صالح العفالق - اليوم السعوزدية ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية في تونس ومصر لن يدخل التاريخ فحسب، بل وربما سيكون منعطفا تاريخيا هاما، أو نقطة تحول على الصعيد العربي، غيرت كل المعادلات. يمكننا أن نلمس أن الشباب العربي متوسط التعليم والدخل استطاع -ولأول مرة- أن يشكل رأياً عاماً ثائراً بوسائل اتصال حديثة، بعد أن فشلت التجمعات السياسية مرات كثيرة في تشكيل هذا (الرأي العام)، والتأثير في المجتمع بسبب إحكام النظام العربي القبضة على وسائل الإعلام سنوات طويلة. ولكون النظم العربية لا تتيح تعددية التجمعات السياسية وحريتها، تراجعت الثقة في هذه التجمعات القليلة المشتتة سياسياً، وبدت إما عديمة الفعالية أو ذات أهداف مريبة، كما أن الدوافع الدينية أو المذهبية أو القبلية أو العرقية لم تحرك الأحداث –كما حدث في السودان أو العراق-، وحتى مؤسسات الإسلام السياسي لم يكد يظهر لها أي دور، ولم تظهر مطالبها إلا في إطار مساومات هامشية للسلطة، مما لا يشير إلى أفق لظهور برنامج سياسي على أرض الواقع يمكن أن يحقق مكاسب لطرف داخلي ما، وإن مثلت هذه الثورات وسيلة ضغط خطرة. أمر آخر البعض لا يريد الاعتراف به، وهو أن القوة العظمى وحلفاءها الأوروبيين يديرون الأحداث عن بعد أو نتائجها على الأقل -وإن لم يكن لهم اتصال بالمتظاهرين-، بل إن مفهوم (الفوضى الخلاقة) الذي طرح لأول مرة كمصطلح سياسي في عهد الرئيس الأمريكي السابق أُعيد للواجهة من جديد. في هذه الأثناء تطل الفضائيات العربية بأجندة ما، وفي مقالي الأخير أشرت إلى أن الجزيرة سقطت مهنياً عندما تحولت إلى ما يشبه القناة الحزبية ليصلني سيل من المكالمات والرسائل والإيميلات بعضها توافقني الرأي، وبعضها الآخر كان عاطفياً يرى أن مجرد نقد الجزيرة في أمر مهني محدد بمثابة الإساءة للشباب الثائر أو المديح للإعلام الرسمي الذي يلمع النظام بشكل لا يمت للموضوعية بصلة. الشعوب العربية الثائرة على الظلم والمشتاقة لممارسة الكرامة، والحصول على لقمة العيش التي سرقتها أيدي الفساد، لم تعد ترى في المشهد كله سوى ضرورة إسقاط النظام، وبأي ثمن، دون قيادة يمكن أن تحسم الحل السياسي أو مشروع سياسي له أهداف لمرحلة ما بعد النظام.لكن الجزيرة لم تكتفِ –كما ذكرت- باستضافة المحرضين، أحد مذيعيها كان يحاور ضيفه الذي وجه نداءً مطولاً لمن التزم منزله من المصريين للنزول للشارع، وبدلا من أن يبادره المذيع بالمقاطعة –لأن ذلك في العرف الإعلامي استغلال للفضائية لتمرير رسائل ما- بادره بالسؤال التالي: أليس من الأفضل للمتظاهرين المتجمعين هنا دون فاعلية أن يتوجهوا لقصر الحكم ليسقطوا النظام كما حدث في ثورات أخرى؟!، لا أعلم هذا من قبيل الرأي والرأي الآخر، على أي حال لو حدث ذلك لدخل الشعب في مواجهة مع الجيش وفرط في آخر رموز السيادة. وأضرب مثلاً لتأثير المشاعر علينا كشعوب عربية، قبل أسبايع قليلة كان موقع إلكتروني مصري متخصص في التقنية ، أتابع إبداعاته ويعجبني احترافيته، نشر مقالاً عن الجزيرة بعنوان (الجزيرة والآيفون أباطيل وأسمار) اتهم فيه القناة بتضليل الجمهور والاعتماد على محررين غير أكفاء وبتشبعها بنظرية المؤامرة، ووصف أحد تقاريرها بالمغلوط، وآخر نُشر على موقعها الإلكتروني بأنه مليء بالأخطاء والمعلومات المزورة وغير منسوب لمصدره الأصلي، وواقع في أخطاء علمية كبيرة. ذات الموقع نشر في أول مقال بعد الأحداث وعودة الإنترنت يقول فيه «أعتقد أن للجزيرة فضلا على العالم العربي كله، وأود أن أشكرها لما قدمته من تغطية مميزة للأحداث والأخبار وخاصة في مصر»..!! وإذا ما حاولنا تلخيص قراءة منطقية للموقف لوجدنا أن الشعوب العربية الثائرة على الظلم والمشتاقة لممارسة الكرامة، والحصول على لقمة العيش التي سرقتها أيدي الفساد، لم تعد ترى في المشهد كله سوى ضرورة إسقاط النظام، وبأي ثمن، دون قيادة يمكن أن تحسم الحل السياسي أو مشروع سياسي له أهداف لمرحلة ما بعد النظام، وبقيت القوى الحزبية والحركية خارج مسرح الأحداث وإن حاولت مع بعض وسائل الإعلام المزايدة لأجندة معينة، بينما تفرغت الدول ذات النفوذ لإدارة هذه الأزمة لصالحها. ومع ذلك ليس من السهل الحكم على ما يحدث، وهل نعتبر ما يجري ثورة سياسية أو فوضى مقصودة أم فتنة آخر الزمان أطلت برأسها ..تحياتي،،