نجيب عصام يماني - عكاظ السعودية في الحياة 17438 كتبت الزميلة بدرية البشر نعم أنا ليبرالي وش عندك؟ علقت فيه على قول الدكتور آل زلفة إذا كانت الليبرالية هي الإصلاح وحقوق الإنسان واحترام حقوق المرأة فأنا ليبرالي وستين ليبرالي، كما رد الأستاذ الوابلي على نفس السؤال بأنه شرف لا أدعيه. فالليبرالية مسؤولية لم نقم بها بعد كما قال الدكتور تركي الحمد أنا ليبرالي مسلم أما داوود الشريان فأوضح الليبراليون يتخفون ويقولون أنهم تنويريون أو تحديثيون أو إصلاحيون لأنهم خائفون. وقد حسم الدكتور الغذامي المسألة بأنه لا يوجد ليبراليون. وقد دافع الأستاذ محمد سعيد طيب عن الغذامي قائلا لماذا الهجوم عليه فعلا لا توجد لدينا ليبرالية لأن الليبرالية مبادئ وأخلاق وممارسات وواجبات إنها قول ثقيل لا يستطيع أي إنسان حمله بهذه البساطة، فهي ليست وساما يعلق على الصدور وندور به في المجالس. مؤكداً أن الليبرالية ليست تهمة تضع الإنسان في قفص الاتهام وتسلط عليه سياط القدح والذم، ذاك زمن انتهى ولن يعود بعد أن كوانا بناره. فلا بد من احترام كل فكر مهما كان مخالفاً لأن هذا نابع من صميم إسلامنا. فلا يوجد في شرعنا ما يمنع اقتباس فكرة أو نظرية أو حل عملي من غير المسلمين فقد أخذ النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة الأحزاب بفكرة حفر الخندق وهي من أساليب الفرس، كما استفاد عليه الصلاة والسلام من أسرى المشركين في بدر في تعليم أولاد المسلمين برغم شركهم وكرههم للمسلمين فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها فأي شخص له الحق في أن يكون ليبرالياً ما دامت لا تعارض نصاً شرعياً ويضيف إليها ويلبسها اللباس الإسلامي الذي يخدم وطنه ومستقبله. من يهاجم الليبرالية إنما يهاجمها بناء على افتراضيات خاطئة وصورة مشوشة غير واضحة، بعضهم ركب الموجة وراح يكيل التهم يمنة ويسرة على كل ما هو ليبرالي مهما كانت درجة تدينه وإيمانه ووطنيته. مطالب الليبرالية مطالب عادلة تصب لصالح الوطن والمواطن وهي لا تخرج عن كونها مطالب ترقى بالمجتمع وتطلعاته إلى مدارج الإصلاح والرقي والتقدم وهي تتفق والأطر الإسلامية الواضحة، وتتفق وكل مرحلة من مراحل تطور المجتمعات. ليس شرطاً أن الليبرالية القائمة في الغرب والتي ينادي بها أصحابها في أوطانهم هي بالضرورة نفس مطالب الليبرالية في المجتمع السعودي. مطالب الليبراليين السعوديين تتماشى وروح الإسلام وتعاليمه وهي تهدف إلى الوصول إلى المجتمع المثالي، وقد استطاعوا وبحمد الله أن يطبقوا على أرض الواقع ما تنادوا به سابقاً في توسيع تشغيل الفتاة وتعليمها وكانت دعواتهم دائماً متناغمة مع توجهات ولي الأمر في الوسطية والاعتدال والحوار مع الآخر ونشر مبدأ المحبة والتسامح وإسقاط سياسة الإحباط ونبذ سياسة التشدد ومحاربة الغلو والتطرف. حتى الليبرالية الغربية لها صفات عقلانية ومطالب حياتية تسعى إلى إصلاح المجتمع وليست كلها شرا وفسادا على مجتمعاتها، فهي ظهرت في أوروبا كرد فعل على الاستبداد الذي تسلط على الأوروبيين قرونا طويلة من قبل الإقطاعيين والبابا والكنيسة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وكانت بدايتها مركزة على حرية العمل والتجارة والنقل وحرية التملك فهي ليست رديفاً للاستعمار والإمبرالية، كما قال الغذامي في محاضرته الشهيرة الثقافة المتسيدة لدى البعض أن الليبرالية هي خروج عن الدين، وهي دعوة إلى الحرية والانحلال والانفلات من عقال العفة والخلق والأدب وبالتالي فالليبرالي خارج عن الأطر الإسلامية فلابد من تكفيره وبالفعل هم كفروا بسبب مطالبهم العادلة رغم أنهم يعيشون في مجتمع واحد تحت سماء واحدة وعلى أرض واحدة يصلون ويصومون ويؤدون الفرائض كما أنزلها الله وبيّنها رسوله عليه السلام. الليبرالي السعودي إن وجد فهو مؤمن موحد لا يستحق نعته بالكثير من الصفات القبيحة التي اعتدنا سماعها من البعض عند النقاش عن الليبرالية .. فهم أذناب بقر .. مثل البصاق والبغال والحمير والجرذان .. تافهون حقيرون وضيعون متخذون مطية للطعن في الدين وثوابته. ومثل هذا الكلام مع الأسف الشديد إنما يأتي من بعض ممن أطلقوا على أنفسهم دعاة وأوصياء على المجتمع، تناسوا أن زمن تكفير وتبديع المخالف قد ولى إلى غير رجعة وأن بضاعتهم التي سوقوها زماناً أصبحت بضاعة كاسدة لا سوق لها في ظل دعوة الوسطية والاعتدال وتحت سقف الحوار والانفتاح الذي يعيشه الوطن تحت قيادة حكيمة آمنت بالله وبمبادئ هذا الدين العظيم، هل سمعتم أن هناك ليبرالياً فجر نفسه في الآخرين أو ليبراليا تلبسه جني أو كفر آخر أو ضاق ذرعاً به. كل الإصلاحيين منذ عهد الأفغاني ومحمد عبده ومن أتى قبلهم وبعدهم هم ليبراليون يسعون إلى الإصلاح وبعث روح الإسلام في الحرية والتسامح ومطالب الشورى والديمقراطية وحرية الفرد وإقامة الحقوق التي كفلها الله لعباده من ذكر وأنثى، فمطالب الليبرالية تتفق ومطالب العلماء والمصلحين. لقد اتخذت الدولة الإسلامية شكلا جديداً في عهد سيدنا عمر بتطبيق مفاهيم جديدة، فأعلن السياسة المالية للدولة وحدد الإيرادات والمصروفات ووضع تطبيقات لجباية الزكاة واستحداث إيرادات عامة جديدة لموارد الدولة فهو أول من فرض عشور التجارة في الإسلام وأوجد نظام الرقابة المالية العامة ومتابعتها وهو الذي قرر مبدأ حرية الفرد بقوله متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، وهو قد سمح لمرأة أن تراجعه وتنتقده وهو أمير المؤمنين ومن على منبر المسجد ويعلن بكل رضا وقبول .. أصابت امرأة وأخطأ عمر. وهو الذي سأل ابنته عن مقدار ما تصبر المرأة عن زوجها فأمر ألا يغيب الجندي أكثر من أربعة شهور عن أهله، وغيرها كثير. فالليبرالية لا تخرج عن أطر حماية وتوفير واحترام الحريات الجماعية والفردية في التفكير والتعبير والتنظيم والمشاركة في الرأي والقرار، وتنهض على التعددية وتدفع إلى الانطلاق الحر المتوازي في كل قطاعات الحياة. الليبرالية في معناها الواسع تعني حرية الرأي وحرية الثقافة بكل أدواتها ووسائلها وأن الناس سواسية مصونة كرامتهم مضمونة حقوقهم، وهذا ما نادى به الإسلام من أول يوم ظهر في مكة لحفظ كرامة وحقوق الإنسان وينادي نبي الرحمة من فوق جبل عرفات «.. كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم ..»، وقد نص نظام الحكم الأساسي للمملكة في مادته الثامنة على أن يقوم الحكم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية. ألستم معي أيّها الناقمون أن هذه هي الليبرالية التي يحاربها البعض ويجعل منها كفراً بواحاً وهي لا تخرج عن الأطر الإسلامية العامة، والليبراليون إن وجدوا على رأي البعض فهم يطبقون روح الإسلام ونصوصه وينادون بالحقوق العامة التي فرضها الإسلام. الليبرالي يحترم الثوابت لا يساوم على وطنه ولا يقبض ثمناً لإخلاصه ولا يتحالف مع أعداء الإسلام والوطن، باطنهم كظاهرهم فهم نسيج واحد في وحدة الوطن، وكما اختلفت ليبرالية أوروبا عن ليبرالية أمريكا واختلفت ليبرالية القرن الثامن عشر عن ليبرالية القرن التاسع عشر عن ليبرالية القرن العشرين فكذلك ليبرالية السعوديين هي نسيج موحد متفق مع ثوابت الدين وأصوله. نعم أنا ليبرالي وش عندك؟.