د. محمد أبو حمرا أصبح شبح «ساهر» يقلق السائقين لمركباتهم في كل مكان؛ ليس لسبب إلاّ لأنه يمتص جيوبهم بلا هوادة ولا عدالة أو رحمة للفقير؛ فهو عندنا هنا مثل «صاحب الصلاحية» في القطاع العام ؛ دائماً هو الصادق والموظف هو المشكوك بقوله ولا من ينصفه!! وجاء نظام ساهر كوجه من أوجه امتصاص المواطن والمقيم؛ وليعذرني مسئولو ساهر؛ فهم لا يجيدون فن الحرب والفروسية العربية؛ لأنّ الفارس العربي يخبر خصمه بأنه سوف يبارزه ويواجهه؛ أما ساهر فهو يختفي كالقط الذي يتربّص بالفأر السمين أو الهزيل ليقتنصه؛ وله أساليب كثيرة في وضع الكاميرا؛ حتى لو اضطر إلى وضعها في برميل يشبه برميل الزبالة «أكرمكم الله» وهو ما شوهد في طرق المدينةالمنورة؛ حيث توقف السيارة التي عرفها السائقون والتي تشبه سيارات توزيع الخبز في طرف بعيد ومدّ سلك للسيارة وجعْل الكاميرا كبرميل قمامة!! وهذا هو التخلّف في استعمال الصلاحية في التنفيذ؛ بعكس المرور في الدول المتقدمة الذي يشعرك بأنّ أمامك السيد «ساهر»؛ وفرق بين عقلية ساهرنا وساهرهم؛ فساهرهم يسهر لحماية وتثقيف وتنمية مسألة التعاون بين السائق والمرور؛ بينما ساهرنا يرى أنّ لديه فرصة لجني المال وبأية طريقة ميكافيللية يراها؛ لأنّ الغاية لديهم تبرّر الوسيلة. وحينما يوقفك رجل المرور في الدول الغربية ويقول: آسف يا سيدي سأجازيك لأنك أسرعت أكثر من السرعة المحدّدة والتي هي قبل أن تصلنا وتحذّرك بأنّ أمامك جهاز التقاط سرعة. فتقول له: لم أر اللوحة لأنها خلف شجرة كبيرة «مثلاً» سيقول لك: احلف. وإذا حلفت. اعتذر لك وحذّرك فقط. أما من يلتقطون السرعة عندنا، فإنّ زملاءهم عند نقطة التفتيش جاهزون للانقضاض عليك؛ فهو لا يعرف إلاّ عبارة» رخصهْ واستماره أخلص عجّل». وحينما يأخذ الرخصة يسجل المخالفة حينما تركن سيارتك. فيرمي المخالفة لك بكل عبوس دون أن يتحقق أأنت مظلوم أم لا!! ساهرنا يتعسّف في تنفيذ أنظمته؛ وهدفها جني المال؛ فهو يحتّم على السائق عند الخروج من الخط العام إلى المخرج أن تكون سرعته 30 كم؛ بمعنى أن يطفئ المحرك ويدفع السيارة ببطء حتى لا تتجاوز الثلاثين التي وضعها ساهر «شارع كبير بالملز السرعة فيه 60كم»!!. وساهرنا سنّ «تدبيل المخالفة» لتكون خمسمائة بدلاً من ثلاثمائة؛ أي أنّ الفقير الذي سيجمع مخالفة ساهر «300 ريال» خلال شهرين أو ثلاثة لا بد أن يسدد 500 ريال جزاءً ونكالاً له لأنه غير قادر بالمسارعة بالتسديد؛ أي أنّ مسألة الربحية واضحة جداً؛ تماماً مثل ربحية قروض البنوك للعقار. ساهر نظام كتب عنه الكثيرون؛ لكن يبدو أنّ المال يعمي أحياناً كثيرة على العقل والحكمة وحتى الرحمة لمن لا يملكون إلاّ الصراخ الذي يذهب دون جدوى. فمتى يحكّم العقلاء عقولهم لنقاش ساهر وأضراره التي فاقت فوائده للناس. يقول المثل «إن كان ثورك مأكول فكل من لحمه» ونحن نقول «مادام أنّ المال يمتصه ساهر؛ فلماذا لا يكون شركة مساهمة لنأكل من لحم ثورنا»؟!!