لسنا من المهتمين بقضايا كرة القدم ، وكثيرا ما يستوقفنا تحويلها إلى لعبة تجارة واستثمار تثير الكثير من الأسئلة ، وربما القهر في بعض الأحيان ، لكن ما جرى أول أمس الخميس في زيوريخ كان رائعا بامتياز ، ليس فقط لأن قطر قد حصلت على شرف استضافة مونديال 2022 ، ولكن لأن المنافسة الأخيرة كانت بينها وبين الولاياتالمتحدة. من يصدق؟ قطر تهزم في السباق النهائي أكبر دولة في العالم بعد أن أطاحت قبل ذلك بدولة (قارة) هي أستراليا ، ودولة صناعية كبرى هي اليابان ، فضلا عن دولة صناعية أخرى هي كوريا الجنوبية ، وهي نتيجة أثارت أعصاب الإمبريالية الأمريكية على نحو استثنائي. تغطية صحيفة "نيويورك تايمز" للحدث كانت مهمة تبعا للنتائج التي خلصت إليها ، ففي مقال بعنوان "استضافة قطر المثيرة للتساؤلات" ، أوردت الصحيفة (يفترض أنها الأكثر رصانة في الولاياتالمتحدة) مجموعة من الأسباب التي ربما وقفت وراء فوز قطر ، وأهم تلك الأسباب برأيها هو ما تسميه "المشاعر المعادية للولايات المتحدة" ، وهو اعتراف ضمني بأن الولاياتالمتحدة مكروهة بين دول العالم ، أقله بين الشعوب. وفي معرض الدهشة تقول الصحيفة: كان هناك 22 عضوا من 22 دولة في تصويت الفيفا ، سبعة منهم من الدول الأعضاء في حلف الناتو ، وخمسة من دول تعد حليفة للولايات المتحدة هي مصر والأرجنتين واليابان وكوريا الجنوبية وتايلند. وتستنتج من ذلك أن أولئك الممثلين لا ينظرون باحترام إلى الولاياتالمتحدة مثل ما تفعل حكومات بلدانهم ، ما يشير إلى وجود "ضغينة ضد بلادنا". ولم تنس الصحيفة الإشارة إلى صغر حجم قطر التي لا يساوي سكانها سكان "لاس فيغاس" ، بل وصل الحال حد الحديث عن صغر الشرق الأوسط برمته 350( مليون نسمة بحسب الصحيفة). يسرنا بالطبع أن يكون كلام الصحيفة صحيحا ، حتى لو ساءنا عدم رد الأمر إلى القدرات القطرية ، فنحن نتمنى أن تكون شعوب العالم كله في المعسكر المعادي للولايات المتحدة ، ونتذكر هنا كيف قال 59 في المئة من الأوروبيين (في استطلاع أجري عام )2002 إن الكيان الصهيوني هو الأكثر خطرا على السلام العالمي ، تلته الولاياتالمتحدة بنفس النسبة ، فكيف الحال لو شمل الاستطلاع سكان العالم أجمع؟، والحال أن تقييم الصحيفة ، والانتقاد العنصري الذي تفوه به أوباما حين اعترض على قرار الفيفا هو تعبير عن الغطرسة وازدراء الآخر في العقل الأمريكي الذي لم يستوعب تفوق دولة صغيرة على القوة الأكبر في العالم ، لكأنها معركة عسكرية أو سباق تسلح وليست مسابقة لتنظيم مونديال لكرة القدم. كل ذلك لا يغير في حقيقة أن التفوق القطري كان حقيقيا ، لاسيما حين وقع التغلب على معضلة حرارة الطقس ببناء ملاعب مكيفة يمكن تفكيكها ونقلها إلى أي مكان ، واكتمل الإنجاز بإعلان التبرع بها بعد نهاية المونديال لدول فقيرة ، وعموما كان العرض القطري أمام أعضاء الفيفا "مبهرا" كما وصفته صحيفة "الغارديان" البريطانية. هي إذن صفعة عربية لأمريكا من خلال قطر ، بل ربما كانت صفعة إسلامية وعالمثالثية أيضا ، إذ لا شك أن ما قالته نيويورك تايمز صحيح إلى حد كبير ، فهذا العالم ملّ من هذه القوة المتغطرسة ومن مغامراتها واستهتارها بالآخرين ، لكن الذي لا يقل أهمية هو قدرة الصغار على المنافسة حين تتوفر الإرادة وقبلها الإمكانات. مبارك لقطر وللعرب والمسلمين ولكل المستضعفين في الأرض ، فهذا مونديال آخر في ديارهم بعد مونديال جنوب إفريقيا السابق ، ربما كي يدرك سكان العالم الأول أن على وجه هذه الأرض بشر آخرون يستحقون أن يكون لهم مكان تحت الشمس ، لا أن يظلوا منذورين فقط للسحق والنهب والازدراء.