من المعروف أن هناك نوعين أساسيين من الدهون التي نتناولها؛ الأول قليل الكولسترول مفيد للصحة ويوجد في زيت الزيتون والأسماك والمنتجات البحرية ويدعى اختصارا DHA (وسنطلق عليه تجاوزا الدهون البحرية).. والنوع الآخر GIA وهو مشبع بالكولسترول ويوجد اساسا في الدهون الحيوانية ومعظم الدهون النباتية (وسنطلق عليه الدهون البرية كي تذكرنا بمفاطيح النعيمي).. وفي حين يعد الأخير مضرا بالقلب وسادّا للشرايين؛ يعمل الأول بشكل جيد على حماية الجسم من هذه المشاكل رغم تساويهما في السعرات الحرارية! وحين يعمل أحدنا حمية أو ريجيما فإن أول ما يفكر فيه غالبا هو خفض نسبة استهلاكه العام من الدهون.. وهذا ليس سيئا في حال اقتصرت نسبة التخفيض على النوع "البري" المشبع بالكولسترول.. فاليوم بدأت تتراكم الشواهد على أن الخفض المطلق والشامل لنسبة الدهون من شأنه تعكير المزاج وإصابتنا بالكآبة "وضيق النفس".. ولو حدث ورأيت وجه إنسان عامل ريجيم أو هل عملت "ريجيما" بنفسك ستلاحظ كيف يتعكر مزاجك وتتغير ملامح السعادة في وجهك (ولكم في الجسمي عبرة يا أولي الأجساد)! رغم ان جزءا من هذا المظهر يعود الى نقص السكر في الدم ؛ الا ان الدكتور جوزيف هابلين (من الجمعية الامريكية لطب النفس) يرى سببا آخر وراء ارتفاع نسبة الكآبة هذه الأيام .. فهو على قناعة بمسؤولية الدهون الحيوانية والمشبعة عن حدوثها. ويقول انه تنبه لهذه الحقيقة حين حمل بين يديه ذات يوم دماغا بشريا حقيقيا وأدرك فجأة انه يتكون في معظمه من "دهون". وهنا بدأ يتساءل إن كان الإقلال من استهلاك الدهون يؤثر في مزاجنا ومهاراتنا العقلية !؟ والخبر السعيد هنا هو اكتشاف الدكتور هابلين أن نسبة الاكتئاب ترتفع لدى الشعوب التي تفرط في تناول الدهون الحيوانية، وتنخفض لدى الشعوب التي تعتمد أكثر على الاسماك والمنتجات البحرية (وأيضا زيت الزيتون من المنتجات النباتية)؛ ففي بريطانيا مثلا تصيب الكآبة مواطنا من بين كل عشرة . وفي عام 2010 تم صرف 32 مليون وصفة لمضادات الاكتئاب (مثل البروزاك والزولفت والباكسيل والسيلاكس ) تجاوزت فاتورتها 396 مليون جنيه استرليني.. أما في لبنان فتتجاوز نسبة المكتئبين 19% من عامة الشعب وتعد الأعلى ليس فقط في عالمنا العربي بل على مستوى العالم.. أما أقل نسبه فاكتشفت لدى الشعب التايوانى ( 1,5% فقط) ثم الكوريين ثم اليابانيين ممن يتناولون كميات كبيرة من الأطعمة والدهون البحرية!! وفي دراسة اشرف عليها الدكتور جوزيف شخصيا تم علاج الكآبة بإعطاء المرضى كميات كبيرة من زيت السمك لمدة أسبوعين (حسب مجلة نيوساينتست في أغسطس الماضي) فشهد 72% منهم تحسنا مفاجئا.. وفي تجربة مشابهة قام الدكتور مالكوم بييت من جامعة شيفيلد بإعطاء 70 مريضا كميات كبيرة من زيت الزيتون فتحسن 69% منهم.. واليوم يرجح كثير من الأطباء أن الدهون البحرية (بالاضافة لزيت الزيتون) يشجعان خلايا المخ على النمو ويحميانها من التآكل؛ كما يعتقد ان تناول كمية كبيرة منهما في سن صغيرة تحمي الدماغ من مظاهر الاكتئاب في المستقبل وربما الزهايمر وخرف الشيخوخة...! ورغم اعتقادي الشخصي بأن للكآبة أسبابا متعددة ومتشابكة (في مقدمتها المعيشة الضنكى والحشر يوم القيامة أعمى) إلا ان هناك شواهد كثيرة تساند رأي الدكتور جوزيف بخصوص دور الدهون في عمل الدماغ ؛ فمن المعروف مثلا ان خرف الشيخوخة والزهايمر يعودان إلى انخفاض ناقل عصبي دهني في الدماغ يدعى دوبلاين.. وحسب ما أخبرتني به أم حسام يعود السبب الأساسي لاكتئاب مابعد الولادة (وكره بعض الأمهات لمواليدهن الجدد) إلى انخفاض ناقل دهني فى الدماغ يدعى نورايبى نفرين!!! ... وهذا كله أيها السادة يدعونا للاهتمام والتركيز أكثر على الدهون البحرية (وزيت الزيتون) والاقلال قدر الإمكان من الدهون الحيوانية والزيوت الاصطناعية المكررة.. إن لم يكن من أجل ملامح السعادة في وجهك، فعلى الأقل لتلافي انسداد الشرايين في جسدك!!