عبد الرحمن بن عبد العزيز الهزاع - عكاظ السعودية بلدنا بلد الرسالات، ومهبط الوحي. عرفت ولا تزال بأنها موطن الأفاضل من العلماء والفقهاء الذين سخروا وقتهم وجهدهم لطلب العلم والتعمق في أصوله وآدابه، خاصة ما له صلة بالعقيدة والأحكام الشرعية باختلاف أنواعها. وعندما يظهر أحد مشايخنا الأفاضل في قناة تلفزيونية، أو عبر محطة إذاعية نرى الكم الهائل من الاتصالات والاستفسارات، خاصة من خارج المملكة. كل ذلك مرجعه قاعدة متينة وسمعة لا شك فيها من أن علماء المملكة لهم قصب السبق في العلم الشرعي الأصيل، ولديهم القدرة على تخريج المسائل وإصدار الفتاوى وفقا للكتاب والسنة. مثل هذا الشرف ومثل هذه السمعة الطيبة لم تأت من فراغ، وإنما كان وراءها رجال أفنوا سنين عمرهم في البحث والتحصيل ونالوا أعلى الدرجات العلمية وتبحروا في علوم الشريعة وتتلمذوا على أساتذة ومشايخ كرام ذاع صيتهم في الآفاق. هذه المكانة الرفيعة لا نريد لها أن تخدش أو يقلل من قيمتها. لا نريد لأحد أن يصف علماءنا بأنهم يحللون اليوم ما حرموه بالأمس، ولا نريد لأحد أن يتندر أو تصيبه الدهشة جراء أحكام شرعية صدرت من بلد الحرمين الشريفين وهي لا أساس لها ولا مرجعية، وإنما هي اجتهادات لا تقوم على أساس. عندما يفتي أحدهم بإباحة شيء وتتسابق وسائل الإعلام في بث هذه الفتوى والتعليق عليها نفاجأ بعد حين أنه عاد وتراجع عنها. لماذا الاستعجال في الفتوى ابتداء دون تروٍ؟ هناك هيئة لكبار العلماء، وهناك مفتي عام للمملكة، وهما المرجع الأساس الذي يجب أن يحتكم إليه فيما يستجد من أمور أو يصدر من اجتهادات. نقف كثيرا في حيرة من أمرنا أمام ما يصدر من فتاوى. هل نجاري من أفتى ونعمل بفتواه طالما أنه من طلبة العلم المعروفين، وإن لم يكن عضوا في هيئة كبار العلماء أم نترك الشكوك والحيرة تتجاذبنا ذات اليمين وذات الشمال. مثل هذه الفتاوى تصبح حديث المجالس بين مؤيد ومعارض، ويضاف إليها الكثير مما لم يقل في الأساس. بعض وسائل الإعلام والمغرضين في الخارج يتلقفون ما يصدر عنا، ويضمرون بنا شرا علهم يجدون فيما يقول علماؤنا مخالفة صريحة للأدلة فيشككون في سياسة المملكة الشرعية ومرجعيتها للآخرين وصولا إلى أهداف أكبر تتمثل في التشكيك في أن المملكة هي من يحمل لواء الإسلام، ويسعى لانتشاره والتعريف به على أسس سليمة. لا نريد أن نقف مثل هذا الموقف. الخيار المطروح والمتاح أيضا هو التروي في أي فتوى أو اجتهاد وعرضه على ذوي الشأن والمختصين لتوحيد المرجعية في الفتوى، وإصدار الأحكام وفقا للكتاب والسنة والراجح لدى جمهور العلماء، وبما يعود بالخير والنفع على المواطن والأمة الإسلامية جمعاء.