عبد الرحمن الراشد * نقلا عن "الشرق الأوسط" السعودية يشاع أن قيادات في السلطة الفلسطينية ليست متحمسة لخروج مروان البرغوثي الذي تمر ذكرى سجنه الثامنة من دون بارقة أمل في إطلاق سراحه. وهناك قناعة مشابهة بأن حماس تخشى من خروجه بسبب شعبيته التي قد تقضي على ما تبقى لحماس، فبرنامجه السياسي أقرب إلى برنامجها، ولغته إلى لغتها، وفوق هذا ينافسها في الزعامة على الضفة الأخرى. ولا يهم كيف يفكر الفلسطينيون بشأنه أو يتآمرون، فمفتاح الزنزانة في يد السجان الإسرائيلي، الذي لن يفتح له الباب من دون ضغوط دولية كبيرة. وإسرائيل تدرك أن البرغوثي يحمل أخطر صفتين: قائد شعبي في فتح، وهو ما لا يتميز به أحد في الحركة، ومقبول دوليا، وهي خصلة لا يتمتع بها أحد في حماس. وفي حديثه الأخير انتقد البرغوثي المفاوضات والمواقف الدولية، مصرا على أنها لا تصلح من دون التزام مسبق من قبل إسرائيل التي يريد منها القبول بدولة فلسطينية واضحة المعالم في عاصمتها وحدودها ولاجئيها. وبالطبع لو أن إسرائيل تبنت هذه المواقف، لما كانت هناك أصلا قضية، ولعم السلام أرجاء فلسطين. لكنني أعتبره موقفا سياسيا من قائد شعبي يرى أن إسرائيل تتشدد في الوقت الذي ينتظر منها العالم كله فيه أن تتراخى. إطلاق سراح البرغوثي سيشجع الجميع في الضفة الغربية على خوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية الموعودة. ومن دون مشاركته ستستمر حالة العجز القيادية داخل السلطة التي يجب الاعتراف بأنها، رغم صورتها الباهتة، حققت إنجازات إدارية لم تشهد لها مثيلا من قبل. فهي قامت في صمت ببناء المؤسسات التي تؤهل لقيام الدولة الفلسطينية، الأمر الذي أقلق المتطرفين الإسرائيليين، وبسببه وصفوا رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض بالحية المخادعة. وربما في إطلاق البرغوثي مدخل لإصلاح ذات البين مع حركة حماس التي تعيش في ورطة كبيرة منذ انقلابها الشهير، وصارت في وضع أسوأ، مخلوقا غريبا، ليست بحكومة ولا مقاومة. فهي لا تقاتل ولا تدفع مرتبات ولا تفاوض ولا تصالح. بمشاركة البرغوثي قد تجد حماس مخرجا للمصالحة الكاملة على اعتبار أن خصومها غادروا السلطة، وأنها مستعدة للانضواء تحت حكم فتح وخوض التجربة البرلمانية من جديد، والاعتراف برام الله مرجعا للقرار الفلسطيني، وبالتالي توحيد الفلسطينيين. لا بد أن في رأس البرغوثي مشروع عمل خطط له وعمل عليه في الوقت الطويل الذي أمضاه مسجونا. فهو رجل منظم في مكان صغير، حيث يمضي الآن وقته في قراءة الصحف العبرية والعربية ومشاهدة التلفزيونات وممارسة الرياضة. وقد أنهى دراسته وحصل على شهادة الدكتوراه. ما هو مشروعه الحقيقي وبرنامجه السياسي، غير ما أعلن سابقا وعرف بوثيقة الأسرى، وغير ما طرحه في الأحاديث الصحافية، فجميعها لا تجيب عن الكثير من الأسئلة؟ وإذا كان الجميع، أعني الأطراف المنشغلة بالمشروع التاريخي للفصل الختامي من القضية الفلسطينية، مقتنعين بأن الوقت صار حاسما وملائما لإقامة الدولة الفلسطينية، رغم محاولات المتطرفين الإسرائيليين والعرب عرقلة المشروع، فإن إطلاق سراح البرغوثي سيقلب الكثير من الموازين لصالح هذا التوجه.