هناك فجوة بيننا وبين الدقة في التعامل مع الوقت ولذلك اخترعنا جبر الكسر وتجاوزنا ذلك إلى جبر الأعداد الصحيحة فأصبحنا نرى ثمانية وسبعين رجلاً فنقول رأينا ثمانين رجلاً, ونصل إلى الموعد في الثامنة وخمس وثلاثين دقيقة فنقول نحن هنا منذ الثامنة والنصف, وتفاصيل كثيرة تبين ملامح تلك الفجوة وتدعونا للبحث في ثقافتنا وتاريخنا عن سببها لعلنا نجد نفقاً يقودنا إلى الخروج من التيه. أتابع يومياً برنامج "خواطر" الذي يقدمه الأخ والزميل أحمد الشقيري الذي أخذنا في رحلة سياحية تعليمية ثقافية مجانية إلى اليابان الأصيلة العظيمة, وقد كانت هذه الرحلة أمتع ما تابعت هذا الشهر عبر شاشة التلفزيون خصوصاً وأنا أرى هذا الجهد الحقيقي الصادق في عاطفته وحرقته على الذين ينتمي إليهم والراغب في تحريك الذهن المتجمد وطرد الكسل البارد والتخلف المغتبط وتفجير الأفكار من خلال مقارنة نمط الحياة اليومية المليء بالأفكار العملية المتطورة والسلوك والأخلاق اليابانية مع ما يحدث في الكوكب الآخر "العالم العربي". هناك فرق كبير بين أمة متواضعة تحب العمل وينحني الرجل ليجمع قطع الفرنش فرايس التي أوقعها على الأرض لكي يبقى مكان الجلوس نظيفاً لمن يأتي من بعده، وبين أمة معجبة بذاتها وتاريخها كثيراً حتى ألهاها إعجابها هذا كما ألهى عمرو بن كلثوم قومه بمعلقته, فبتنا لا ننجز شيئاً سوى الكلام في الماضي لدرجة أن غاب الحاضر والمستقبل في زوايا ذلك الماضي الذي أصبح سجناً رهيباً. لقد أنجز أحمد بميزانية بسيطة بلا شك ولا أظنه كلف شركة الإنتاج شيئاً يذكر, أنجز عملاً محترما ومسؤلاً له رسالة ويحمل دلالة ذات مغزى, لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, وحتى إن كان برنامج "خواطر" قد كلف الكثير فهو يستحق ما أنفق عليه من مال, خصوصاً عندما نقارنه بسخافات غيره التي أهدرت المال الكثير في أعمال تلفزيونية تجعل الناس تضحك علينا وتسخر منا وتحمد الله على نعمة العقل.