بعد فرز أولي لجزء من صناديق الاقتراع في خمسين مدينة إيرانية أعلن مجلس صيانة الدستور أنه ثبت لديه أن هناك ثلاثة ملايين صوت زيادة على مجمل الأصوات التي يحق لها التصويت في الانتخابات الرئاسية ، وهذا يعني في المحصلة أن النتائج الأولية للتحقيق تؤكد أن هناك ما يقرب من أحد عشر مليون صوت على الأقل تم تزويرها ، كيف ؟ ، إذا افترضنا صحة البيانات الرسمية الإيرانية التي تحدثت عن مشاركة أقل قليلا من ثمانين في المائة من الناخبين المسجلين ، وهي نسبة أسطورية مستحيلة الحدوث في أي انتخابات ديمقراطية على مر التاريخ ، باستثناء الانتخابات العربية فقط ، لأن نسب المشاركة المعتادة تتراوح بين أربعين في المائة وستين في المائة ، لكن لنفترض أن الشعب الإيراني عن بكرة أبيه إلا قليلا شارك في التصويت ، ونقول بما قالوا به أن ثمانين في المائة ممن يحق لهم التصويت شاركوا ، وبالتالي فهناك عشرون في المائة لم يشاركوا في الانتخابات لسبب أو آخر ، وإذا اعتمدنا أعداد من يحق لهم المشاركة رسميا بأنهم قرابة أربعين مليون مواطن ، فهذا يعني أن هناك ثمانية ملايين مواطن لم يصوتوا في الانتخابات ، فإذا قالت لجنة صيانة الدستور بأن هناك ثلاثة ملايين صوت موجودة في الصناديق أعلى من مجموع أصوات من يحق لهم التصويت في الانتخابات ، يعني أكثر من الأربعين مليون بكاملها ، فهذا يعني أن هناك أحد عشر مليون صوت انتخابي مزور رسميا ، الثمانية الذين لم يشاركوا أساسا ، والثلاثة الذين أضيفوا فوقهم ، ولذلك أتصور أن إعلان مجلس صيانة الدستور أمس عن واقعة التزوير الثابتة يعني في النهاية بطلان العملية الانتخابية بالكامل ، ويعطي مصداقية حاسمة للمعارضة الإيرانية في احتجاجاتها على نتائج الانتخابات ، كما أن هذا الإعلان مهين للغاية للسيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة ، وأهم مرجعية دينية وسياسية في إيران ، لأنه يكشف عن أنه لم يكن نزيها ولا صادقا عندما دافع عن الانتخابات وبرأها من أي شبهة تزوير وأكد بحسم وغطرسة أن أحمدي نجادي هو الرئيس الشرعي الذي اختاره الشعب ، فكل هذا الكلام ثبت أنه هراء الآن رسميا ، ولا يوجد من سبيل إلا إعادة الانتخابات ، لأن حجم التزوير ومستواه ليس في أرقام بسيطة وإنما في ملايين الأصوات الباطلة ، التي تم دسها في الصناديق زورا ، هذا رغم أن تصريحات مجلس صيانة الدستور تعطي صورة غامضة عن الأوضاع وعن القرارات المتوقعة ، إذ أنهم أكدوا على أن القرار النهائي في موضوع الانتخابات لن يصدر قبل الأربعاء ، وهو ما يعني أن القضية مفتوحة على احتمالات كثيرة ، وقد تكون الضغوط أقوى من قدرة المجلس على إعلان بطلان الانتخابات ، وبالتالي تمرير نجاح نجادي رغم "بعض" التزوير ، وواضح أن هناك شرخا وانقساما داخل بنية النظام نفسه ، كما أن معسكر المعارضة ليس هشا ولا من المغامرين ، وإنما يشمل رؤساء جمهورية سابقين ورؤساء وزارات ووزراء وقيادات عسكرية وقيادات أمنية رفيعة ، وهو ما يعني أن التوجه نحو القمع واستخدام العصا الغليظة لن يجدي كثيرا في هذه الحالة ، وقد يعقدها أكثر ، كما أن الحديث الدائم عن المؤثرات الخارجية في تحريك الأوضاع فيه إهانة للجمهورية الإيرانية ذاتها ، لأنه من الصعب أن تتحدث عن قيادات في مجلس صيانة الدستور مثل هاشمي رفسنجاني كألعوبة في يد أمريكا وبريطانيا مثلا ، وكذلك رئيس الجمهورية السابق محمد خاتمي ورئيس الوزراء مير حسين موسوي وغيرهم ، إن اتهام رموز جمهورية إيرانية من هذا الوزن بتلك الاتهامات ولو بالإشارة والترميز خطير ، بقدر ما هو غير قابل لتحقيق إقناع ملايين الإيرانيين الساخطين على ما حدث