أثارت ضحكة الدكتور عائض القرني عبر برنامج كان يتحدث فيه عن سير الصحابة -رضي الله عنهم- تبثه قناة اقرأ، ردود أفعال واسعة. وعن هذه الضحكة وصلتني عشرات الرسائل على بريدي مليئة بالتعليقات، منها من يتعجب من أن يرى شيخا يضحك، ومنها من هو سعيد لرؤية هذه الضحكة. حقيقة، يحزنني أن تترسخ في أذهان الناس هذه الصورة، حيث يتعجبون كل هذا العجب من مجرد وجود «شيخ يضحك». من هذه التعليقات يقول أحدهم: «حقيقة يسعد الإنسان إذا رأى علماء يملكون هذه الروح المرحة، ويُظهرون سماحة الإسلام.. الله يطيل عمر الشيخ عائض على طاعته، ويحفظه من كل سوء»، وبدوري أقول (آمين)، فكم نحن بحاجة إلى ذلك الشيخ المتسامح الذي يكون بهذا القرب من الناس، فالابتسامة تُشعرك بالقرب ممن يحدثك، حيث تشعر بالاطمئنان له وتستمع له بإنصات، بعكس ذلك الوجه العابس المكفهر الغاضب. وقبل أن أتوقف مع هذه الضحكة، سأروي ما دار من حديث أثار هذا الموقف لمن لم يشاهد الحلقة، حيث كان عائض القرني يتحدث عن سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع رجل سكران، كان عمر قد تجسس عليه هو ورفاقه في جلسة سمر، وتسلق عليهم الدار فأخذ عليهم أنهم وقعوا في منكر واحد ألا وهو شرب المسكر، بينما هم أخذوا عليه أنه وقع في منكرين، التجسس وتسلق البيوت بلا إذن. في الحقيقة، لا ألوم أبدا الناس على ردود الأفعال هذه، فقد اعتدنا أن نرى الكثير من المشايخ بوجوه قاتمة لا تعرف طريق الابتسامة، وتتحدث مع الناس من أبراج عاجية، وترد على الأسئلة التي يدلي بها الناس بكثير من العجرفة والتعالي والسخرية -أحيانا- من عقول الناس، فضلاً عن تأنيبهم وتوبيخهم المستمر لأخطاء طبيعية يمكن أن تصدر حتى من المشايخ أنفسهم. إذا كانت هذه هي الصورة النمطية للشيخ في أذهان الناس، فما بالك بشيخ يطلق ضحكة عالية ومجلجلة معبرة عن طبيعة الإنسان الطبيعي الذي يبكي، ويضحك، يتألم، ويفرح، ويُمارس وجهه كل التعابير الإنسانية الطبيعية من دون خجل من أن يظهر هذا كله أمام الناس، هذا بالنسبة لمعظم الناس شيء غريب ولافت للانتباه، وفي الحقيقة ما كان يفترض أن يكون هناك أي استغراب، فعلماء الدين هم بشر في نهاية المطاف، إذا تجاوزنا الهالة التي توضع حولهم أحياناً. لسيغموند فرويد فلسفة خاصة مع الضحك، إذ يعتبره ظاهرة وظيفتها إطلاق الطاقة النفسية التي تم تعبئتها بشكل خاطئ أو بتوقعات كاذبة، وهذا يبدو صحيحاً لحد كبير، فنحن نشعر بالراحة الكبيرة والتخفف من الهموم السابقة والمشاعر السلبية عندما نمارس ذلك الضحك الحقيقي الذي نسميه «ضحكاً من قلب» - شاهد المقطع في الصفحة الرئيسية من انباؤكم