كان الرئيس السوري بشار الأسد قبل نحو شهر عُرضة لهجمات صاروخية أمريكية كان يمكن أن تغير ميزان القوى في الحرب السورية في غير صالحه إلا إنه نال مُهلة. وتقول مصادر سياسية في دمشق إن أنصاره مبتهجون ومقتنعون بأن خطر تغيير النظام زال وأن بمقدور عائلة الأسد التصدي للنهاية لمعارضيها الذين يعتبرونهم ضعفاء - ومن بينهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الفرنسي فرانسوا اولوند - مثلما ودعت من سبقوهم.
وقال مصدر مطلع في دمشق مشترطا عدم الكشف عن اسمه "أعتقد أنهم يشعرون أن بوسعهم أن يجتازوا هذا وينتظروا ترك زعماء مثل أولوند وأوباما لمناصبهم مثلما فعلوا مع جاك شيراك وجورج بوش."
وأضاف "أعتقد أن الأسد يشعر أن الأسلحة الكيماوية أنقذت نظامه فعليا بدلا من أن تسقطه."
وتقول المصادر إن هذا التغير في الأجواء جاء نتيجة لاستجابة العالم المرتبكة للهجوم بغاز السارين على ضاحية تسيطر عليها المعارضة في دمشق الشهر الماضي. وأخرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حليف الأسد في الصراع المستمر منذ نحو 30 شهرا من جعبته عملية دبلوماسية للتصدي لهذا العمل الوحشي.
ويقول الأسد إنه سيلتزم باتفاق توصلت إليه موسكووواشنطن يسلم بموجبه ترسانته الكيماوية. وتحمل واشنطن وحلفاؤها القوات الموالية للأسد المسؤولية عن هجوم 21 أغسطس اب الذي يقولون إنه أودى بحياة 1400 شخص في حين تتهم الحكومة السورية المعارضين بالمسؤولية عنه.
وفي مقابلات شبه يومية مع وسائل إعلام روسية وصينية وأوروبية بل وحتى أمريكية يشدد الأسد على مساهمة سوريا في محاربة المتطرفين الجهاديين ويشرح مدى طول عملية نزع السلاح وتكلفتها الكبيرة. ويبدي الأسد الذي يبدو رابط الجأش كل علامات التحول الصادق الى الاخلاص للعمل الدبلوماسي.
ووافق أيضا من حيث المبدأ على مشاركة مسؤولين من حكومته في محادثات مع المعارضة في جنيف بهدف الاتفاق على انتقال سياسي سلمي رغم أن السلطات أوضحت أيضا أنها لن تتنازل عن السلطة ببساطة.
والنجاح الدبلوماسي الروسي في ظاهره يمنح الأسد درعا يمكنه من ورائه تصعيد قصفه لمواقع المعارضة ما دام لا يستخدم أسلحة كيماوية.
وللحرب الأهلية السورية حضور طاغ مع اجتماع زعماء العالم هذا الاسبوع لحضور الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة. ويجتمع مبعوثون من القوى الخمس الكبرى بالأممالمتحدة وهي الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين للتفاوض على قرار يدعم الاتفاق الروسي الأمريكي للتخلص من الأسلحة الكيماوية السورية بحلول منتصف 2014.
وقال سركيس نعوم الكاتب بصحيفة النهار التي تصدر في بيروت "هذا (الاتفاق) يجنب خضة إقليمية وممكن أن يفتح مجالا لجنيف 2 لكنه لن يحل المشكلة ولن يوقف القتال لأن الأسد هو جزء من المشكلة وليس من الحل."
وقال نعوم إن الأسد محظوظ للغاية في أعدائه فالمعارضة مشرذمة والدول العربية منقسمة والحكومة التركية طموحها يتجاوز قدراتها.
وقال "الأسد محظوظ أولا لأن المعارضة غير متفقة ومنقسمة ولأن العرب غير متفقين.. ومحظوظ لأن طموحات تركيا أكبر بكثير من قدراتها وهو محظوظ أيضا لأنه معه إيران وهي مستعدة تفوت للآخر وبالمقابل ما في دولة عربية أو إقليمية مستعدة حتى تدعم المعارضة. وهو أيضا محظوظ لأنه في رئيس أمريكي يريد أن يخرج بلاده من الحرب ولا يريد أن يدخل بلاده في الحرب وهو محظوظ لأن روسيا تريد تصفية حسابات مع أمريكا."
غير إن نعوم مثله مثل كثير من دارسي الصراع السوري يرى أن الأسد ليس محظوظا "لدرجة إنه يرجع يستعيد سيطرته على كل سوريا أو يفرض النظام الموجود على سوريا كلها .. هو يستفيد من كل هذه العوامل."
وقال سفير أوروبي في المنطقة "يدرك الأسد أنه لا يمكنه السيطرة على البلد بأكمله لكنه لن يقول هذا علانية أبدا. إنها لعبة شطرنج. بشار يفكر في الخطوات الثلاث التالية."
وقد تطور الصراع في نهاية الأمر متجاوزا الأسد حيث أصبح معركة بين إيران ودول الخليج العربية ومثار نزاع بين الولاياتالمتحدةوروسيا التي تسعى لاستعادة دورها القديم في وضع القوة العظمى الثانية في العالم.
والأسد مجرد طرف صغير في الساحة بين أطراف أكبر وأكثر فاعلية منه.
ويقول خبراء إن الأسد سيسلم من الأسلحة ما تقتضيه الحاجة لتجنب ضربة أمريكية وإبقاء روسيا إلى جانبه لكنه سيحتفظ على الأرجح ببعضها كوثيقة تأمين لأنه لا بد قد تعلم من مصير الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس العراقي صدام حسين اللذين سلما أسلحتهما ولم يكن لديهما في النهاية رادع عندما أطيح بهما وقتلا.
وقال توبي دودج خبير شؤون الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد "من الواضح أن خطة الأسد هي البقاء بعد كل شيء آخر. لكن هذا البقاء يعني الاحتفاظ بروسيا إلى جانبه والتخلي عن أغلب مخزوناته من أسلحة الدمار الشامل ومنع الاستخدام الأمريكي للقوة وإبقاء المجتمع الدولي منقسما وأيضا إظهار أن المعارضة ليست متحدة بما يكفي لتولي السلطة."
وتعزز القوات السورية بدعم من إيران وحليفتها جماعة حزب الله اللبنانية سيطرتها على المناطق الريفية حول دمشق معقل الأسد.
وتقول مصادر سورية إن الأسد يركز جهوده على الاحتفاظ بالسيطرة على دمشق وساحل البحر المتوسط موطن الطائفة العلوية التي ينتمي إليها وعلى حمص التي تربط بينهما. وسيترك الشمال والشرق في أيدي المعارضين والجهاديين الذين يقاتلون بضراوة للسيطرة عليهما.
وقال مسؤول لبناني مؤيد للحكومة السورية لرويترز إن المنطقة التي استهدفها الهجوم بالغاز السام في الغوطة ستكون على ما يبدو هدفا مرة أخرى لهجوم من الجيش لتطهيرها نهائيا من مقاتلي المعارضة.
وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه "أمنيا وضع النظام جيد جدا الآن وهم يريدون أن يصفوا نهائيا موضوع الغوطتين."
واضاف "لهذا التركيز سيكون على الغوطة الشرقية بعد ما تم تدمير كل البنى التي بناها المسلحون على مدى عامين ونصف العام ليأتي دور معركة الغوطة الشرقية بحيث أن الجيش السوري لا يريد لأهالي دمشق أن يسمعوا بالقصف حتى ولو من بعيد وبذلك يكون الأسد أغلق كل المنطقة المهمة لديه ولن يهمه شيء حتى ولو دارت معركة داحس والغبراء في الأرياف وإدلب وحلب."
وفي حين يواصل مفتشو الأممالمتحدة العملية الشاقة والطويلة لاحصاء مخزونات الأسلحة الكيماوية السورية وتدميرها لا يمكن لأحد أن يتوقع انفراجا على الأرض في الصراع الذي أودى بحياة 100 ألف شخص وشرد الملايين.
وتدور حرب أهلية أخرى الآن في صفوف المعارضين أنفسهم بين مقاتلي جماعة الدولة الاسلامية في العراق والشام التابعة للقاعدة وبين قوات المعارضة المنافسة في شمال سوريا قرب الحدود التركية. ويصب هذا في مصلحة الأسد.
وتتهم روسيا التي تواجه هي الأخرى تحديا من جانب الإسلاميين في أطرافها الجنوبية الغرب بمساعدة المتشددين من خلال السعي للاطاحة بالأسد دون الالتفات بدرجة كافية لما قد ينطوي عليه ذلك من عواقب. وقال بوتين إن المتشددين يمكن أن يوسعوا هجماتهم في نهاية المطاف إلى خارج سوريا والشرق الأوسط.
ومن ناحية أخرى يعتقد خصوم الأسد وحلفاؤه على السواء أنه سيظل فيما يبدو رئيسا لسوريا التي تحكمها أسرته منذ 40 عاما وسيخوض انتخابات الرئاسة في العام القادم.
وقال دودج "هذا صراع مستمر منذ عقود من الزمن. لا أرى حاليا أي شيء يمكن أن يطيح بالأسد. المعارضة ما زالت مفككة للغاية وأمريكا لا يزال موقفها غير ثابت وما زالت روسيا تسد الطريق أمام مجلس الأمن. سيظل في سوريا لسنوات طويلة."