ودّع آلاف الفلسطينيين، أمس، «خنساء فلسطين»، النائبة مريم فرحات (أمّ نضال)، التي قدّمت ثلاثة من أبنائها شهداء قسّاميين في سبيل القضية الفلسطينية. وشارك في تشييع أمّ نضال (64 عاماً)، جماهير غفيرة، تقدّمهم رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية، والنائب الأول لرئيس المجلس التشريعي أحمد بحر، والوزراء والنواب وقادة الفصائل ومسؤولون. وكان لخبر وفاة خنساء فلسطين وقع كالصاعقة على أهالي القطاع، ولا سيما بعد ما أذاعته مكبرات الصوت داخل المساجد، ليعمّ بعدها الحزن في أرجاء غزة، التي خسرت رمزاً من رموز الشهادة والصبر والصمود، التي جسّدت في مسيرتها صورة مقدّسة للأم الفلسطينية التي حملت همّ القضية الفلسطينية، وقدّمت في سبيلها أغلى ما تملك، فلذات أكبادها، ولذلك كُنّيت أيضاً بأمّ المجاهدين. ونعى هنية أمّ الرجال، كما يسميها أهل غزّة، خلال خطبة ألقاها في مسجد العمري الكبير وسط مدينة غزة بحضرة الجنازة، قائلاً: «أمّ نضال فرحات النموذج القدوة لنساء فلسطين، بل لنساء العالمين ورجال الأمة العربية والإسلامية، لا يشيعها أهل الأرض وحدهم، بل الملأ الأعلى بإذن الله». ووعد هنية أم نضال بالسير على طريقها في النضال والمقاومة حتى تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، قائلاً عنها إنها صاحبة سيرة عطرة في التاريخ المعاصر، وهدية السماء لأهل الأرض. وأضاف «لو أقمنا قبة لأم نضال، لما وفيناها فضائلها لأنها من السابقات في الدعوة والجهاد والصبر والتضحية والعطاء، حيث قدمت لهذا الشعب والأمة نماذج فريدة في جهاد أعداء الله من فلذات كبدها، ونحن باقون على عهدها». وأكد «فرحات هي المرأة الاستثنائية التي أنجبت ابنها القائد في تصنيع صواريخ القسام (نضال)، فوصلت صواريخه إلى تل أبيب والقدس المحتلة، وقدمت ابنها محمد للشهادة في سبيل الله، فتمكن من قتل 9 من الصهاينة في ملحمة بطولية في غوشستيون». وكانت مريم، النائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة «التغيير والإصلاح» الحمساوي، قد توفيت فجر أمس، بعد صراع مع المرض. واشتهرت باسم «خنساء فلسطين» بسبب التضحيات التي قدّمتها خلال الانتفاضة. وهي من مواليد 1949، وأمّ لستة أبناء وأربع بنات. استُشهد منهم ثلاثة، نضال ومحمد ورواد، خلال نضالهم في صفوف كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة «حماس». محمد هو أصغر أبنائها، كانت قد جهّزته بنفسها لعملية استشهادية، وظهرت معه في التسجيل المصور للعملية (http://www.youtube.com/watch?v=K5DrSit-HPo) في 2002، قبل أن تقبّله وتودعه. تقول في التسجيل المصور إنها تريد أن تقدّم «إشي في سبيل الله والوطن. بودعو لحياة أحسن، واحتسبو عند الله الشهيد. ولو كان عندي 100 ولد مثل محمد لأقدمه.. يقُل لي يمّا كل غالي يرخص في سبيل الله والوطن». ودّع محمد أمه وخرج لاقتحام مستوطنة «عتصمونا» اليهودية غرب رفح، وهاجم كلية عسكرية، سقط خلال العملية العديد من الجرحى والقتلى، لكن الإسرائيليين أعلنوا مقتل 4 إسرائيليين. وهي أيضاً أمٌ لأسير منذ 11 عاماً في سجون الاحتلال، وتعرّض منزلها للقصف أربع مرات. وفي فيلم «نساء حماس» في عام 2010، تُلقي المخرجة الفلسطينية سهى عرّاف الضوء على خمس من أبرز نساء «حماس»، ومن بينهنّ أمّ نضال. وتعقد المخرجة مقارنات بين حالة الصمود التي يعرفها الإعلام وحالة المعاناة الداخلية التي يتعمدن إخفاءها كنوع من المقاومة العاطفية. يوم الجمعة الماضي، عادت الحاجة فرحات من القاهرة بعد رحلة علاج طويلة، نُقلت بعدها الى مستشفى الشفاء الطبي بقطاع غزة، حيث كانت تعاني من وضع صحي صعب جداً أثر إصابتها بالسرطان، قبل أن تنضم الى أولادها الشهداء فجر أمس. أم نضال من حي الشجاعية في قطاع غزة. وُلدت من أسرة بسيطة، ولديها 10 إخوة و5 أخوات. كانت مريم الفتاة متفوقة في تحصيلها العلمي، وواصلت دراستها بعدما تزوجت بفتحي فرحات، أبو نضال. وكان ذلك في بداية الثانوية العامة، حيث قدمت الامتحانات الثانوية وهي حامل بمولودها الأول، وحصلت على 80 في المئة.