اللافت أن المسؤولين الروسيين والإيرانيين هم الأكثر ضجيجًا في الإعلام الدولي تحذيرًا من التدخّل في الشؤون السورية. وهم يوجّهون نصائح لكل بلدان العالم بهذا الاتجاه لكنهم ينسون أنفسهم أو بالأحرى يحاولون بالإكثار من الضجيج التغطية على تدخّلاتهم اليومية السافرة في الشؤون السورية وفي السيادة السورية. وليتهم يتدخّلون فقط، إنما سبب الكارثة التي تلمّ بسوريا الآن هي أن الروس والإيرانيين يوجّهون تعليمات وأوامر إلى نظام الأسد، سواء مباشرة أو عن طريق ممثليهم العسكريين والمدنيين الذين تعجّ بهم المدن السورية وثكنات الجيش السوري. وفي الحقيقة لو لم يوجد أي تدخّل أجنبي إيراني روسي في سوريا لحلّت الأزمة السورية في أيامها الأولى، ولما تطلب الأمر مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين والمعذبين وملايين النازحين. إنما التدخل الروسي الإيراني وتعليماتهما لنظام الأسد هي التي طوّرت الأوضاع إلى انقسام وعداء وحرب أهلية بين السوريين، حتى أصبحت سوريا أرضًا وشعبًا وحتى نظامًا ضحايا للتدخّلات السافرة للنظامَين الإيراني والروسي. ويبدو أن طهرانوموسكو حينما تدعوان لمنع التدخّل في الشأن السوري ولا تشيران إلى دورهما التخريبي وتدخلاتهما الشنيعة في سوريا، فإنما تتصرّفان باعتبار سوريا مستعمرة إيرانية روسية ولا يحق للآخرين التدخّل بشأنها بلا إذن من طهران أو موسكو. وأن نظام الأسد وكيل لهما وموظف لديهما لا يحق لأي آخرين، بما في ذلك السوريون، التفكير بإزاحته أو إقالته إلا بإذن من الرعاة. والأهم أن يعرف الروس والإيرانيون أن لعَبهم مكشوفة قبل نهوض الثورة السورية المباركة، وأثناءها، وسوف تستمر لعَبهم حتى بعد نجاح الثورة السورية واستقلال سوريا. لأنهم أذاقوا السوريين الذل والإهانة واستباحوا سوريا أرضًا وشعبًا ومقدّرات. وحينما أعلن السوريون الأحرار غضبهم وانتفاضة الكرامة، أصيب الإيرانيون والروس بصدمة عصبية لهذا هرعوا إلى النظام ووجّهوا له تعليمات صارمة بضرورة إخضاع الثورة بأي ثمن. ولأن النظام ليس إلا وكيلًا لهما.. انصاع لهذا التدخّل، وأمر دباباته وصواريخه ومنجزراته بدكّ منازل السوريين وأطلق وحوش ميليشياته المجرمة، المدعومة من إيران، على الناس لترويعهم وأعمال القتل والتنكيل والانتقام في صفوف السوريين. ولكن خابت آمال النظام ورعاته. فبدلًا من أن يتروّع السوريون ويستكينوا للذل والهزيمة نهضوا بكل قواهم وعزائمهم وإراداتهم، حتى بدأ نظام الأسد وميليشيات رعاته ومستشاروهم وعساكرهم يتقزمون الآن في منطقة هي أقل من ربع سوريا، والانشقاقات في صفوف النظام تتواصل، والانتصارات الباسلة تتقدّم لتحرير سوريا من شبكة التدخّلات الإيرانية الروسية المهينة لكل سوري ولكل عربي.