ربما تكون عبارة «ما خاب من استشار»، من الحِكم الحسنة التي يستند على منصتها الاستشارية غالبية الناس في كل المجتمعات، لتسيير شؤون حياتهم، فتجدهم يلجأون إلى أشخاص بعينهم يثقون بآرائهم، لما يملكونه من مخزون خبرات متراكمة في مجال الاستشارة أكثر من الآخرين، من أجل الاستئناس بتوصياتهم في الأمور المتعلقة بالقرارات المصيرية سواء العامّة أو الخاصة، ممّا يمنحهم تصورا واضحا عن الموضوع محل الاستشارة؛ يساعدهم في اتّخاذ القرار المناسب والصحيح. ما دفعني لما سبق هو زيارتي لمعرض «سكني إكسبو الظهران» بتنظيم من صندوق التنمية العقارية، وأول ما يطالع الزائر للمعرض خدمة تحمل اسم «المستشار العقاري» تقدم توصيات غير ملزمة للمستفيدين، وتوضح لهم الخيارات التمويلية المناسبة بناء على ما يتمتعون به من قدرات مالية. لا أزعم هنا، أني أملك معلومات إضافية عن خدمة «المستشار العقاري»، وكل ما أملكه هو ما اطلعت عليه كغيري من زوار المعرض، وبعيدًا عن حالة الاصطفاف مع أو ضد توجهات التمويل الجديدة للصندوق العقاري، كنت أتمنى التعجيل بطرح هذه الخدمة منذ سنوات سابقة، لأنها تأتي في ظل احتياج نسبة غير قليلة من المواطنين المقدمين على طلب القرض العقاري، لكنه يغيب عن إدراكهم مصفوفة المتغيرات العقارية والمالية، والتي تهيئهم للقرار الصحيح والمناسب عند شراء مسكنهم الأول، ولا أقول إن ذلك بالأمر السهل. ودعونا نعترف أيضًا، بأن هناك نسبة غير قليلة من المواطنين، تعيش إشكالية رئيسية تتمثل في التشويش وعدم وضوح رؤيتها عند عملية اتخاذ قرار شراء «منزل العمر»، لذا ومن وجهة نظري فإن أهم مخرجات خدمة «المستشار العقاري» -إن تم تفعيلها كما هو منشور إعلاميا- أنها ستعيد مصفوفة ترتيب أولويات المستفيدين عند اختيار المسكن الملائم لهم وفق قدراتهم المالية، وحالتهم الائتمانية. أما المخرج الثاني الذي أتوقعه من الخدمة، أنها ستقضي تمامًا على ربط المستفيدين بالشائعات والحملات التحريضية ضد الصندوق العقاري، والتي تستند في غالبها إلى أهواء أصحاب المصالح وليس المواطن. والمخرج الثالث -وهو الأهم- أنها ستقوم مقام «كشف الحساب العقاري» للمستفيد وفلترة لرغباته وقدراته المالية. وإذا ما حصل ذلك فأعتقد أننا لن نصحح فقط مسار المستفيدين واختيار الوحدات السكنية، بل حتى تصحيح مسار العرض والطلب على قطاع الإسكان بشكل عام.. «ما خاب من استشار». الجميل في تعدد الخيارات أن يختار المقدم على طلب الإسكان حسب مقدرته المالية كما يقال في الأمثال (مد رجلك على قد لحافك!) وفيما يخص السكن على الشخص ألا يختار فيلا إذا كان دخله يتناسب مع الخيار الخاص بالشقة، حتى لا يرهق نفسه بقروض تحول حياته من هناء إلى مشقة وعليه أن يمتد في سكنه على قدر راتبه حتى يتناسب السكن واللحاف كما في المثل.