في يناير من عام 2014 تجمع عدد من وزراء الحكومة في خيمة صحراوية قرب محافظة طريف إحدى محافظات منطقة الحدود الشمالية للسعودية؛ لتوقيع عقود لإنشاء مجمع صناعي حول منجم فوسفات وسكة حديدية جديدة تصل إلى ميناء على الخليج العربي باستثمارات إجمالية تقدر بأكثر من 36 مليارا. وذلك بعد اكتشاف أن منطقة الحدود الشمالية تحتضن نحو 7% من المخزون العالمي من الفوسفات خاصة في منطقتي الجلاميد وأم وعال بين عرعر وطريف. تمخض المشروع عن مدينة تعدينية متكاملة تحت مسمى «مشروع وعد الشمال للتعدين». وفي عام 2017 تم تصدير أول شحنة من الأسمدة الفوسفاتية والتي تبلغ 26 ألف طن بواسطة سكة حديد الشمال إلى ميناء رأس الخير على الساحل الشرقي للمملكة ومن ثم تمّ شحنها من هناك. ويوم الخميس الماضي قام الملك سلمان بتدشين المرحلة الأولى ووضع حجر الأساس للمرحلة الثانية باستثمارات تبلغ 85 مليار ريال، لتضع المدينة ضمن الخارطة العالمية لصناعات الفوسفات وإحدى أهم عواصم إنتاج وتصنيع الفوسفات في العالم، وباكتمالها واكتمال طاقتها الاستيعابية ستضع المملكة في المركز الثاني عالميا لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية. هذا المشروع الصناعي الضخم بلا شك سوف يكون له مردود اقتصادي واجتماعي ودولي كبير على المملكة. فعلى المستوى الاقتصادي، منذ عام 2017 صدر المصنع أكثر من 1.7 مليون طن من الفوسفات. ومع انتهاء المرحلة الأولى سوف ترتفع الطاقة الاستيعابية للمصنع من 3 ملايين طن إلى 6 ملايين طن. ومع اكتمال المرحلة الثانية سيرتفع إنتاج السعودية من الفوسفات إلى 9 ملايين طن سنويا. وهذا يعني تعزيز الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للمملكة بمقدار 24 مليار ريال، أي 6.4 مليار دولار سنويا، أو ما يعادل نحو 3%. أما على المستوى الاجتماعي والتنموي، فمشروع «وعد الشمال» بالإضافة إلى مشروعي سكاكا للطاقة الشمسية وهو الأكبر عالميا ومشروع طاقة الرياح في دومة الجندل وكلها مشاريع تقام في المنطقة الشمالية سوف تسهم بلا شك في تنمية المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وتساهم في تحقيق التوازن التنموي في مناطق المملكة كافة. وقد سبق تجربة «وعد الشمال» تجارب صناعية سعودية كبرى مثل بناء مدن رأس الخير والجبيل وينبع الصناعية التي ساهمت في تنمية تلك المناطق وأصبحت عنصر جذب للاستثمارات وخلق فرص عمل عديدة. فمشروع «وعد الشمال» بحسب التصريحات الرسمية عند اكتماله سوف يخلق فرصا استثمارية كبيرة وفرص عمل تفوق 30 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة. أما دوليا فهذا الصرح الكبير سوف يضع السعودية على خريطة الدول المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي العالمي الذي تسعى إليه الأمم المتحددة للقضاء على الجوع في العالم، من خلال إنتاج 9 ملايين طن من الأسمدة الفوسفاتية التي ترفع خصوبة التربة ومقدار الإنتاجية وتصحيح التوازن بين الكميات، ما يعني استصلاح مزيد من الأراضي الزراعية وزيادة دخل المزارعين، وتوفير فرص عمل، وتحريك العجلة الاقتصادية في عدد من دول العالم، إضافة إلى مساعدة الحكومات على توفير الغذاء لشعوبها. وقد بلغت الزيادة في الإنتاج بسبب إضافة الأسمدة حوالي ربع إنتاج المحصول العالمي. وأخيرا قطاع التعدين ركن أساسي في التحول الوطني، وتعمل المملكة على جعله الركيزة الثالثة للاقتصاد السعودي إلى جانب صناعتي النفط والبتروكيميائيات. فبحسب بعض المسوحات الجيولوجية هناك أكثر من 800 موقع لخام الذهب والفضة و850 موقعا لخام النحاس و64 موقعا لخام الرصاص و180 موقعا لخامات البلاتين والنيكل والكروم واليورانيوم، إضافة إلى ثروات هائلة من الصخور والمعادن الصناعية. وتقدر وزارة الطاقة أن قيمة الموارد المعدنية غير المستغلة في المملكة تبلغ خمسة تريليونات ريال (1.33 تريليون دولار).