على عكس الاتجاهات الاجتماعية المعهودة قبل عقود من الزمن، والتي كانت تحث المرأة على حسن التبعل للزوج وتعهد الأبناء والبيت بالرعاية والاهتمام وتذكرها دوما بواجباتها الاجتماعية والشرعية والأسرية.. وتربطها ربطا عميقا بالقيم الإيمانية العليا التي تستحث همتها نحو تلك الأمور باعتبارها مغانم للأجور، وتغذي لديها الشعور الوجداني بالمسئولية، وتعزز صلتها الروحية بخالقها المشرع لتلك الحقوق والأحكام والواجبات الشرعية.. على عكس ذلك كله.. نجد أنفسنا في السنوات الأخيرة وفي قلب الفوضى الاجتماعية (الخلاقة) - إن جاز التعبير- التي تديرها وتنظمها شبكات التواصل الاجتماعي.. نتجه اتجاها مضاد.. فها هي أصوات دعوة البعض لحب الذات والتمحور حولها، مبطنة برسائل تقدير الذات ومغلفة بأهمية الترويح عن النفس بشكل دوري للاستمرار في العمل وزيادة الدافعية نحو الإنجاز والعطاء بشكل أفضل.. وإن كانت هذه الأغلفة وتلك البطائن تتضمن الكثير من الحقائق بنسبة عالية، إلا أن المفاهيم المدفونة بين طياتها في أغلبها تقود إلى معانٍ زائفة لا تعدو كونها سبلا لتعميق مفاهيم الأنانية وتؤدي تدريجيا لإنتاج جيل من الأمهات والفتيات الخاويات والتي لا هم لإحداهن سوى تنظيم وعقد اللقاءات مع الصديقات والخروج المتكرر للنزهة معهن؛ بحجة تحقيق السعادة والبهجة والحصول على (الكثير من الطاقة الإيجابية)، وتخفيف ضغوط العمل، من خلال تبادل الأحاديث وممارسة التنفيس الانفعالي بالضحك والترفيه والاستئناس.. ونسي أولئك الداعون إلى تلك الشعارات، أن هذه المرأة العاملة قد تغيبت عن منزلها وأسرتها ما يقرب من ثلث يومها أو يزيد ولم يبق سوى الفتات لأولئك الأبناء، وسيكون معظم الوقت الذي يجمعها بهم هو وقت أداء الواجبات والتكاليف المدرسية!! نعم.. لتقدير الذات.. ونعم للشعور بقيمتك أيتها الأم والزوجة ومنزلتك العظيمة التي أنزلك الله إياها.. ونعم لضرورة الترفيه عن النفس والتخفف من ضغوط العمل.. ونعم لأهمية لقاء الصديقات وتبادل الضحكات والاهتمامات المشتركة معهن.. لكن يبقى العمل على تحقيق التوازن الدينامي النفسي والعاطفي بين تلك الحقوق وهذه الواجبات.. أمرا غاية في الأهمية للخروج من دائرة الأنانية إلى باحة الغيرية والانتقال من الأثرة إلى الإيثار.. تلك القيمة العظمى التي غابت عن البعض في يوم الناس هذا وصار تحقيقها من أعظم المشاق على النفس، فلا يوفق لها إلا المخلصون.. ممن صار اللقب الملاصق لهم (جيل الطيبين).. نعم للعناية بالبشرة والجمال واللياقة البدنية والصيحات الداعية إليها، ولكن لا لاستنزاف الأوقات والأموال في التنقل بين دُورها وقلاعها ورمي الأطفال في أحضان العاملات.. نعم للطموح والتطلع العلمي في مسالك العلوم الحضارية والإنسانية والطبيعية، ولكن لا لمنح فضول الأوقات للزوج والأولاد والبنات.. نعم للالتفات للذات وعدم جحود حقها وسط زوبعة الحياة العصرية وتقلباتها المتسارعة وضجيج زحامها.. ولكن لا للالتفاف حولها وضرب باقي الواجبات والمسئوليات بعرض الحائط.. إن تكرار هذه النداءات -التي أزعم أنها نداءات غير مسئولة - على مسامع الفتيات، لن تخرج لنا إلا جيلا هشا من الأمهات.. ولن تفرز لنا إلا المزيد من الأسر المفككة وارتفاع معدلات الطلاق.. ولن تقدم خطوة أو تؤخر أخرى في مجال زيادة الدخل القومي للبلاد.. إن المرأة اليوم تتمتع بحقوقها كاملة في التعلم والعمل.. فلا غضاضة عليها أن تمنح من حولها ممن ولاها الله عليهم.. حقوقهم عليها، وأن تستمع لصوت ضميرها الذي يدعوها لتعويضهم عن انشغالها عنهم، ثم لا مانع بعدها من إيتاء باقي الحقوق وفقا لسلم الأولويات.. (فإن لِعينِك عليك حقا، وإن لجسدِك عليك حقا، وإن لزوجتِك عليك حقا، وإن لضيفِك عليك حقا، وإن لِصديقِك عليك حقا) صحيح/ الألباني - 2390.