يستعد منتدى جدة الاقتصادي الثاني عشر الذي انطلقت فعالياته السبت برعاية ملكية كريمة، لوضع آليات محدّدة لتحويل مجلس التعاون الخليجي إلى (اتحاد) وفق المبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (يحفظه الله) في القمة الخليجية الأخيرة، ويناقش اليوم الأحد ثلاثة محاور إقليمية وعالمية مهمة، في حضور كوكبة من المتحدثين يبرز بينهم صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للأبحاث، ورئيسا وزراء تركيا وباكستان السابقان علي بابا جان وعزيز شوكت، إضافة إلى رئيس وزراء ايرلندا السابق جون بروتون. وقال صالح بن عبدالله كامل رئيس المنتدى ورئيس الغرفة التجارية الصناعية بجدة: ستكون الجلسات الثلاث التي تقام اليوم ذات صبغة عالمية، حيث ستكون الجلسة الأولى التي تنطلق في العاشرة صباحًا بعنوان (ما بعد التكتلات) وتناقش تجربة الدول الناشئة والسعي إلى تحقيق النمو الاقتصادي، حيث يتحدّث خلالها إضافة إلى رئيسي وزراء تركيا وباكستان السابقين الدكتور محمد صبان المستشار الاقتصادي لوزير البترول والثروة المعدنية في السعودية، وأنيل غوبتا كبير المستشارين في معهد الهند والصين، ويديرها الإعلامي المخضرم ريز خان. ويشدّد كامل على أهمية محور (ما بعد التكتلات).. مشيرًا إلى أن الاقتصادات المتقدّمة في العالم تركّز باطراد على خفض مستويات الدَّين لديها وكذلك على إجراءات التقشُّف، في حين تُركِّز الأسواق العالمية الناشئة على نمو أكبر في الاقتصاد، حيثما يلعب الشرق الأوسط دورَ شريكٍ استراتيجي أساسي للدول النامية والمتقدّمة على السواء. وأضاف: يسود المشهد الاقتصادي العالمي في الوقت الراهن نقاشات عديدة حول مسألة رئيسية واحدة هي الدين، وبحسب «البنك الدولي» (World Bank)، فإنّ معدّل الدَّين الخارجي نسبة إلى «إجمالي الناتج المحلي» (GDP) لدى معظم الدول الصناعية الكبرى الثماني (G8)، فيما عدا اليابان أو روسيا، يُراوح بين 64 و400 بالمائة، وإحدى أولويات هذه الاقتصادات حاليًا هي خفض مستوى الدَّين لديها، وعلى نقيض ذلك، تتسِم الأسواق الناشئة بمستويات دَين أدنى بكثير وتركيزٍ أكبر على النمو الاقتصادي، فمعدّل الدَّين الخارجي نسبة إلى «إجمالي الناتج المحلي» لدى دول «بريك» وهي (برازيل، روسيا، الهند، الصين) يُراوح بين 0 و15 بالمائة. تتجه الأنظار إلى الجلسة العلمية الثالثة التي تحمل عنوان (اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي) وتنطلق عند ال (2.45) من ظهر اليوم، حيث تسعى لتحليل اقتصاديات تكامل أكبر لدول المجلس بحضور صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل. وتابع: على نحو مماثل، يُراوح معدّل الدين السيادي إلى «إجمالي الناتج المحلي» (GDP) لدى «الدول الإحدى عشرة المقبلة» بين 4 و37 بالمائة، وفي الواقع، على مدى السنوات الخمس الأخيرة، وفي خضم أزمة اقتصادية عالمية، سُجِّل ثلثا النمو الاقتصادي العالمي لدى الأسواق الناشئة، وتدّخر الدول النامية أصولًا أو موجودات مالية يبلغ معدّلها أربعة أضعاف ما لدى الاقتصادات المتقدّمة، وهي بحلول العام 2020 قد تمتلك 30 بالمائة من الموجودات المالية العالمية. وثمة «إعادة توازن كبرى» في النشاط الاقتصادي تجري حاليًا بين الأسواق المتقدّمة وتلك الناشئة، فيما تقع مسألة الدين مقابل النمو في صميمها. ومهما يكن من أمر يمكن للأسواق المتقدّمة أن تُواصل الإسهام في نمو الاقتصاد العالمي من خلال الابتكار وتطوير تكنولوجيا جديدة متقدّمة على غرار الطاقة المتجدّدة، وتكنولوجيا «النانو» الصُغرية، و»حوسبة السحابة». ويشير رئيس غرفة جدة إلى أن الجلسة الثانية التي ستنطلق عند ال (11.45) من صباح اليوم ستتناول إعادة التركيز العالمي على نماذج التعاون الإقليمي (بناء التكتلات)، ويتحدث فيها مالك دحلان رئيس مؤسسة قريش للقانون والدراسات، والدكتور عبدالعزيز صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث، والسفير محمد نور يعقوب المدير التنفيذي لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، والسفير فاتو غوبالا ميلون نائب وزير الخارجية لآسيا والمحيط الهادي في وزارة الخارجية السنغافورية، إضافة إلى السيد جون بروتون سفير الاتحاد الأوروبي السابق في الولاياتالمتحدةالأمريكية ورئيس الوزراء الأيرلندي السابق. ويعطي كامل تفسيرًا أكثر وضوحًا لمناقشات الجلسة الثانية فيقول: لا يزال مفهوم التعاون الإقليمي الأوسع نطاقًا يحظى بمزيد من الاهتمام العالمي، وفيما تؤثر أزمة الديون في منطقة اليورو على الروابط السياسية والاقتصادية في الإتحاد الأوروبي، فإنّ تحالفات إقليمية على غرار «منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ/ آبيك» و»إتحاد دول جنوب شرق آسيا/ آسيان» تدعو إلى تعاضد إقليمي أكبر كوسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي وتسهيل التجارة والتبادل التجاري. وبتركيزها على نماذج من الاتحادات الاقتصادية الإقليمية، توفر التكتُّلات والائتلافات مادة غنية للنقاش في هذا الصدد على الصعيدين العالمي والإقليمي. ويضيف: تتعاظم مسألة الدين مقابل النمو الاقتصادي حينما تتجاوز المستوى المحلي إلى الآخر الإقليميين، فالإتحاد الأوروبي هو اتحاد اقتصادي وسياسي يضم 27 بلدًا ويملك سوقه الخاصة، وعُملته ومصرفه المركزي، يُمثّل 20 بالمائة من «إجمالي الناتج المحلي» العالمي، وقد أسهمَ التكامل الأكبر للإتحاد الأوروبي في استحداث قرابة 3 ملايين وظيفة جديدة وتحقيق ما يزيد على 2.2 بالمائة من «إجمالي الناتج المحلي» الإضافي وذلك من خلال السماح بحركة أكبر للسلع، والخدمات، واليد العاملة فيما بين بلدانه، ومع ذلك، يبلغ معدّل الدين الخارجي إلى «إجمالي الناتح المحلي» في الإتحاد الأوروبي 85 بالمائة، بينما يُراوح لدى بعض الأعضاء بين 150 بالمائة وأكثر من 1000 بالمائة، وهو ما يُهدِّد كيان هذا الإتحاد ما لم يتم القيام بتحرُّكٍ ما لكبح مستويات الدين. ويتابع: على نقيض ذلك، فإنّ «منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا المحيط الهادئ/ آبيك» هي منتدى يضم 21 دولة من هذه المنطقة وهي أكبر بنحو 40 بالمائة من الإتحاد الأوروبي، وفي أواخر العام 2011، وعلى الرغم من الأزمة الحادة في الإتحاد الأوروبي، أعلنت منظمة «آبيك» عن خطط ضخمة طموحة لاستحداث منطقة تجارة حرّة في منطقة آسيا - المحيط الهادئ تستأثر بنسبة 54 بالمائة من «إجمالي الناتج المحلي» على مستوى العالم، وفي ظل هذه المبادرات، برزت مفاهيم ووقائع الاتحادات، والتكتُّلات، والائتلافات الإقليمية الاقتصادية إلى واجهة المشهد المالي العالمي المستشرف للمستقبل. وتتجه الأنظار إلى الجلسة العلمية الثالثة التي تحمل عنوان (اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي) وتنطلق عند ال (2.45) من ظهر اليوم، حيث تسعى لتحليل اقتصاديات تكامل أكبر لدول المجلس بحضور صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والدكتور ناصر السعيدي رئيس الشؤون الاقتصادية في مركز دبي المالي العالمي، والدكتور عبدالعزيز أبو حمد العويشق الأمين العام المساعد للمفاوضات والحوار الاستراتيجي بمجلس التعاون الخليجي، والدكتور عبدالرحمن الزامل رئيس مجلس إدارة شركة الزامل القابضة. ويقول الشيخ صالح كامل في هذا الصدد: بات مجلس التعاون الخليجي محط تركيز عالمي كبير للمرّة الأولى منذ إنشائه قبل ثلاثة عقود، وعلى الأخص لمبادراته السياسية. إلا أنّ التركيز الأقل كان على النقاشات حول الأعمال والتأثير الاقتصادي الذي يمكن أن يعكسه التكامل الإقليمي الأكبر على مستقبل المنطقة من أجل تحقيق ازدهار أكبر، واستقطب التكتُّل الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، أنظار العالم في العام 2011 خلال الأحداث التي شهدتها المنطقة المحيطة به والدور السياسي المتنامي لمجلس التعاون الخليجي، حيث سلّطت عليه الأضواء والنقاشات حول توسُّعه السياسي المحتمل إلا أنّ المنحى التجاري والاقتصادي للوصول لتكامل إقليمي أكبر، ما زال بحاجة لإعطائه الاهتمام الكافي، في وقتٍ تشهد فيه التكتُّلات والاتحادات الأخرى في العالم أزمات، أو تختبر توسُّعًا. ومن شأن تكامل اقتصادي أكبر في مجلس التعاون الخليجي عبر آليات مثل توحيد العُملة، والجمارك والمعابر المشتركة، والاستثمار والبنية التحتية المشتركة فيما بين الدول الأعضاء، أن يجني فوائد اقتصادية مباشرة على غرار توفير مزيدٍ من فرص العمل واستحداث قيمة متنوّعة وفعّالة. وشدّد على أن التحوّل إلى (اتحاد) يتطلّب أُطرًا قانونية وتنظيمية أكثر قوة وفعالية، ومع وجود ملياري نسمة على بُعد 4 ساعات بالطائرة من الخليج العربي فقط، يمكن لأيّ ائتلاف إقليمي أكبر أن يسمح للمنطقة بتحقيق ازدهار أكبر، ليس ضمن حدودها فحسب، بل فيما يتعدّاها أيضًا.